كاسة مشمش!
كيف يعني؟ ما المشمش فواكه بالعرباية، أو معلق على الشجرة، بيتّاكل ما بينشرب! كيف يعني كاسة مشمش؟!
قمر الدين!
ليش اسمه هيك؟ ليش لونه برتقالي بس مرسوم عليه مشمش؟ معقول بيضوي بالليل؟! ليش قمر الدين بيتّاكل؟! بس كمان بيقولوا كاسة قمر الدين. ليش المشمش بيصير بالكاسة برمضان؟ وليش منصير منشرب القَمَر؟
كل التّساؤلات اللي كتبتها قبل شوي كانت تدور براسي وأنا زغير، كل الناس بتقول: رمضان عالبواب، الأسبوع الجاي، بعد بكرا، بكرا رمضان، وكل ما بيقرب رمضان بتكتر ألواح قمر الدين على واجهات محلات السمانة، حتى بسوق الخضرا بيصير في قمر الدين.
ما كنت حبه وأنا زغير، حتى أحيانا ماكنت حب فكرة انه اجا رمضان لحتى ماشوفه، كان لون الجيلاتين الشفاف اللي بيغلف قمر الدين غريب، لا هوي بنّي ولا هوي برتقالي، كنت ساوي منه نظارات شمسية إلعب فيها أنا وولاد الجيران.
وقتها كنت زغير، ماكنت صوم، ولأنو كل أهلي بيصوموا، فشي أكيد الماما بتبلّش طبخ بعد الساعة تلاتة الظّهر، وأنا متل العادة بالرغم من إني فاطر لكن كنت أكتر واحد بينئ وبده ياكل، لهيك كانت الماما بتسكتني بقطعة قمر الدين، بتلفها متل الصندويشة وبتحط بقلبها جوز أو فستق حلبي، وهيك بتصير أطيب وأنا أحيانا اسرق قطعة خبز ولف قمر الدين، وروح على جنينة البيت آكلها وأناعم اتفرج عالقطط، وبس يديق خلقي برجع عالمطبخ لعند الماما.
وماما متل كل الأمهات بسورية، عينها اليمين عالطبخة، وعينها الشمال عالرز، وعم تحرك بإيد الشوربة، وبالإيد التانية عم تقطع الخبزات مشان الفتوش، وبين كل هدول كان في زبدية كبيرة شفافة منقوعة فيها قطع قمر الدين، كنت بخاف منها، بخاف الماما تجبرني اشرب منها على وجبة الافطار، ماكنت حب المشروب، كنت حسّه مشروب للكبار فقط، وإنّي زيادة عليي شراب التوت.
وأوّل ما بيقول “الله أكبر”، يعني أدان المغرب، بيبلش يتجول إبريق قمر الدين بين اخواتي، و بتفرّج عليهم كيف بيشربوا الكاسة بنفس واحد، وخصوصاً اخواتي الشباب، و واضح على وجوهن السعادة بعد ما يخلصوا الكاسة، وبيطلبوه مرة تانية، لينتهي الإبريق، في واحد من إخواتي كان بينبسط إني مابشرب قمر الدين لأنه بيشرب حصتي.
كبرت وصرت صوم، وما كنت افهم شو يعني كاسة قمر الدين، ولا حتى ليش سمّوه هيك، ولأني ما كنت حبه مافكرت بيوم اقرأ أو أعرف عنه.
لحد ما يوم…….
“بتروح لعند أبو حسن؟” سألني رفيقي، وأنا ميّت من عطشي ومارق بالشام من عند باب توما، قلتله “مين هاد أبو حسن؟” قلّلي:” معقول مابتعرف محل أبو حسن؟ كعكة ومرطّبات”، وهو قلّلي كلمة مرطبات وأنا صار بدي اركض لعند أبو حسن، لأنه كلمة مرطّبات بشهر رمضان اللي كان بفصل الصيف كلمة مهمة جداً، ولما وصلت لقيت كل الشباب ماسكين بإيد كاسات ليمون جامد، وكاسات توت وقمر الدين وبالإيد التانية قطعة كعك.
سال لعابي عهالمشهد وخصوصي إنه كان على وقت الإفطار تماماً.
وكان في دور طويل…، ولما وصل دورنا، قال البياع مافي غير قمر الدين، أنا حسيت بخيبة أمل لأني ما بحب قمر الدين، لكن رفيقي انبسط وقال اي عطيني كاسة مشمش.
ولما نطق رفيقي كلمة كاسة مشمش، دغري اتذكرت الابريق اللي كان يدور فوق راسي وانا زغير، مليان عصير مشمش أو قمر الدين، وتذكرت كيف كان إبريق البلور الشفاف مغبّش من برودة العصير، وبدون وعي قلت للبياع بصوت عالي:
كاااااااااســـــــــة مشمــــــــش!
وناولني البياع كاسة المشمش وهيي طايرة فوق راسي من الزحمة، الكاسة نزلت من فوقي وهي عم تشرشر مشمش بارد، كمشتها بإيدي مع كعكة وصرت اشرب مشمش، لأول مرة بشرب كاسة مشمش.
بعد ما خلصت الكاسة بنفس واحد، لقيت رفيقي عم يتطلع على وجهي و مستغرب، قلّلي “اللي بيشوفك بيقول هي أول مرة بتشرب كاسة مشمش”.
قلتلّه “اي: هي أول مرة بشرب المشمش بالكاسة، وراح علي كتييييير كاسات مشمش”.
رفيقي ما فهم عليّي، ولا أنا حكيتله القصة، بس سألته إذا محل أبو حسن بيبيع كاسات مشمش بعد رمضان، قلّلي رفيقي إي.
كان أبو حسن بيحط بكاسة المشمش لوز أبيض، صرت روح كل يوم عند الإفطار اشتري عصير مشمش من عنده، بس بعد ما خلص رمضان ما عدت رحت، هيك وبدون أسباب، وكأنه رغم اكتشافي المتأخر لهالمشروب الّلذيذ، إلا إنّه إله قواعد، رمضان يعني كاسة مشمش.
Creative Commons