مقابلة مع خوان ديلغادو
في ليلة من ليالي القامشلي الباردة، خرجت من منزلي الحبيب في الربع الأخير من الليل متوجها الى الشريط الشائك الذي يفصلنا عن الأراضي التركية، على أمل التمكن من عبور هذه الحدود اللعينة، بحثا عن الخلاص من وضع تعجز الكلمات عن وصفه ممّا آلت إليه أحوال بلدنا المسكين.
انتظرت طويلا حتى أصبح العبور ممكنا حسب اجتهادي، لكن ما أن اندفعت راكضا حتى انهمر الرصاص علي كالمطر من جنود حرس الحدود الأتراك في محاولة لمنعنا من العبور، و لا أدري هل هو القدر أم أن حب الحياة منحنا قوة كافية لننجو من وابل الرصاص ذاك، و ما هي إلا ساعة من زمن حتى تجاوزنا المنطقة الخطرة، و وصلنا إلى قرية قزليتا التركية حيث لجأنا إلى ساحة مسجد القرية، و بعد انتظار لم بطل كثيرا، أتت سيارة أقلتنا الى مدينة اسطنبول، حيث وصلنا بعد منتصف الليلة التالية. انتظرت حتى الصباح، ثم توجهت إلى منزل أحد معارفي.
بقيت في مدينة اسطنبول حوالي ثلاثة أشهر، قضيتها بالبحث و التفكير، فكان قراري العبور الى أوروبا عن طريق اليونان، بواسطة شخص كنت قد تعرفت عليه في ساحة أكسراي.
في شهر تشرين الثاني من العام 2013 ، أُودعت في صندوق صغير لا يكاد يتسع لي، بل يكاد يطبق على أنفاسي، ولا يدخله الهواء إلا من ثقب صغير لا يكاد يكفي للتنفس. مرت أربع و عشرون ساعة و أنا بين الحياة و الموت كأنها أربع و عشرون سنة ، عرفت بعدها أنني أصبحت في اليونان، وصلت اليونان و يا ليتني لم أصلها.
بعد حصولي على الورقة التي تدعى (الخارطية)، بدأت رحلة البحث عن تجار البشر (المهربين)، وبعد بحث طويل وقع الاختيار على أفضل السيئين من هذه الفئة المنحطة من البشر، و تم الاتفاق معه على إيصالي إلى إحدى الدول الأوربية، بعدها دخلنا في دوامة المواعيد الكاذبة التي لم يبد لها نهاية، ثلاثة أشهر و عشرة أيام من الذل و الإهانات و العذاب النفسي و الحاجة المادية التي لا ترحم.
لم بكن بخفف من ألم هذه الفترة سوى الصحبة الطيبة لأروع الأصدقاء، شباب من أنبل الناس الذبن عرفتهم في حباتي، حيث جمعتنا الغربة و ظروف القهر و الحاجة، فكنا نتقاسم كل شيء…كل شيء، حتى المصير المجهول الذي نسعى إليه،
بالإضافة إلى صاحب البيت الذي وفقنا الله به، رغم أنه لم يكن رجلا نبيلا كان أفضل الخيارات المتاحة.
لقد تفرق هؤلاء الأخوة و الأصحاب في أصقاع أوروبا، و كنت أنا آخر من غادر أثينا، و لكنني لم أتمكن من الوصول إلى البلد الذي وقع عليه اختياري، حيث لم أوفق في المرة الأولى، و في الثانية تم تبصيمي في البلد الذي اختاره لي ذلك المهرب اللعين، و قد قبلت بما اختاره لي القدر على يديه.
نعم… لقد قدر الله و ما شاء فعل.
Featured image by Rogiro, first image by Mrd00dman, second by Schezar, third by Andrea Kirkby, fourth by Sergio Alvarez via Creative Commons.