المؤلف: لمى عيسى
المترجم: بان لبابيدي
لقد أصبحت أمل الصغيرة، وهي دمية ضخمة في يد طفلة لاجئة، رمزاً عالمياً للأمل والقدرة على الصمود. تمثل أمل الصغيرة، التي يبلغ ارتفاعها 3 أمتار ونصف، روح لاجئة سورية تبلغ من العمر تسع سنوات. تنطلق أمل في رحلة حول العالم بحثًا عن والدتها والسلامة والأمن ومكان تعتبره موطنًا لها
تم تقديم شخصية أمل الصغيرة لأول مرة في مسرحية تسمى الغابة، من إنتاج شركة تدعى “فرصة جيدة” في عام 2015. جرت المسرحية في قبة مسرح الأمل التي تقع في مخيم كاليه جانغل السابق، وهو مخيم غير رسمي للاجئين بالقرب من كاليه. المدير الفني لمشروع أمل الصغيرة هو أمير نزار زعبي وهو كاتب مسرحي ومخرج من فلسطين. أطلق زعبي مشروع “ المشي” وهو مهرجان فني متنقل يتتبع رحلة أمل من الحدود السورية التركية وصولاً إلى مانشستر، إنجلترا
تصور زعبي شكلاً جديدًا من المسرح يتجاوز البيئات التقليدية ويصبح المسرح حزءا من الشوارع حيث تسير المجتمعات النازحة.في محادثة تيد, ، ناقش أمير أن رحلة أمل هي بمثابة استجابة لأزمة اللاجئين السوريين المستمرة والمصاعب التي يتحملها الأطفال غير المصحوبين الذين أجبروا على الفرار من منازلهم. أضاف أمير “المشي لا يتعلق فقط بالوصول إلى الوجهة، بل يتعلق بالرحلة نفسها، يتعلق الأمر بالسير إلى جانب أمل والوقوف متضامنين مع كل من يبحث عن اللجوء و عن فرصة جديدة في الحياة”. صنعت أمل من قبل شركة الدمى الجنوب أفريقية “Handspring Puppet Company”، اسم أمل يحمل أهمية عميقة لأنه يعني “التفاؤل في المستقبل ” باللغة العربية. إن سمات أمل فريدة من نوعها والمتمثلة في الضعف والقوة ، تستحوذ على قلوب الناس في جميع أنحاء العالم
منذ يوليو 2021، سافرت أمل عبر 160 بلدة ومدينة عبر 15 دولة، وتلقت الترحيب من أكثر من مليوني شخص في الشوارع وعدد لا يحصى من الآخرين عبر الإنترنت. طوال رحلتها، تم تنظيم 440 مناسبة فريدًة، عكست روح كل مجتمع،وذلك من خلال الجهود التعاونية لآلاف الفنانين، ودعاة المجتمع المدني، والقادة الدينيين. في كل مكان تذهب إليه أمل، يتم الترحيب بها بطريقة أصيلة وذات معنى للسكان المحليين الذين تلتقي بهم. يمكن أن يكون هذا عرضًا عبر المدينة، أو ألعابًا في الملعب مع الأطفال، أو زيارة إلى مكان للعبادة، أو مسرحًا خارجيًا أو عرضًا راقصًا، أو حفل موسيقي، أو اجتماعات مع الأطفال والعائلات، أو مراسم الترحيب بقيادة عمداء المدن أو غيرهم من كبار المسؤولين المدنيين
المغزى من “المشي” هو سؤال بسيط لكنه عميق يُطرح على المجتمعات المحلية على طول الطريق: “كيف سترحبون بأمل؟” هذا السؤال البسيط يحث على الحوار والتفكير، ويجعل الأفراد يفكرون في مواقفهم تجاه اللاجئين ومدى أهمية أن يكونوا متعاطفين ومتفهمين لهم، عند بناء مجتمعات شاملة. على الرغم من كونها رمزًا للأمل، واجهت أمل العداء طوال رحلتها التي يبلغ طولها 8000 كيلومتر عبر أوروبا، حيث ألقى المتظاهرون اليمينيون أشياء،عليها في اليونان تعبيرا عن عدم الترحيب بها،إلى فرنسا، حيث أثيرت اعتراضات على وجودها، وجعلت الاحتجاجات في أثينا من الضروري تغيير خطة رحلتها. ومع ذلك، من بين هذه التحديات، هناك لحظات كثيرة من الترحيب والتعاطف. يسلط المنتج ديفيد لان، الضوء على دور أمل في إضفاء الطابع الإنساني على المهمشين وتعزيز التعاطف معهم، على الرغم من التحديات المستمرة. ومن المهم التأكيد على أن هدف الرحلة ليس سياسيا بل إنسانيا، يهدف إلى خلق الرحمة من خلال التعبير الفني.
بينما نتابع رحلتها، تذكرنا أمل الصغيرة بالتقاليد الغنية للثقافة الشفهية وثقافة الدمى التي كانت لفترة طويلة جزءًا مهمًا من الثقافة والتراث السوري. يعود تاريخ صناعة الدمى في سوريا إلى مسرح الظل، الذي ورد ذكره في كتابات تعود إلى القرن الحادي عشر
خلال الحكم العثماني، ازدهرت الفنون الشعبية، وخاصة مسرح الظل، بطابعهاكاراكوز الذي تطور ليعكس الثقافة السورية وينقد القضايا المجتمعيه الشائكة. كما اليوم أمل الصغيرة تمثل آمال وأحلام المجتمعات النازحة في العالم شخصيةً كاركوز جسدت نضالات وتطلعات السوريين عبر التاريخ. في القرن التاسع عشر، حيث كانت تقام العديد من مسابقات مسرح الظل، والتي أقيمت بشكل أساسي خلال شهر رمضان المبارك. وفي ظل الحكم الفرنسي، لعب محركو الدمى دورًا مهمًا في مقاومة الاستعمار
وفي أواخر الخمسينيات، تم إنشاء نواة مسرح الدمى في دمشق، والتي ظلت شركة العرائس المحترفة الوحيدة في سوريا. لقد تضاءل مسرح الظل التقليدي قليلاً، لكن الجهود جارية لإحيائه. في الخمسينيات، بعد الاتحاد السوري المصري، قامت وزارة الثقافة في الجمهورية العربية المتحدة بتعيينً ثلاثة خبراء يوغسلافيين بقيادة المخرج المسرحي بوجو كوكوليا لإنشاء مركز مسرح الدمى في دمشق. قدمت المجموعة، تحت إشراف كوكوليا، العديد من العروض، مصحوبة في البداية بموسيقى البيانو الحية. وأدار المسرح بعد ذلك مخرجون مختلفون منهم عبد اللطيف فتحي، فاطمة زين، سلوى الجابري، وعدنان سلوم
ويعرض مسرح الدمى في دمشق، وهو الشركة الوحيدة المتخصصة في إنتاج الدمى في سوريا حالياً، مجموعة متنوعة من المسرحيات المحلية والمترجمة باستخدام الدمى إلى جانب الأقنعة وأشياء أخرى. في حين أن مسرح الظل التقليدي قد اختفى تقريبًا، إلا أن زكي كورديلو، الذي تدرب على يد عبد الرزاق الذهبي، يحافظ على هذا الفن بمجموعة من الدمى التي يزيد عمرها عن 150 عامًا. ويشارك شادي الحلاق أيضًا بدعم من وزارة الثقافة واليونسكو. وسط الاضطرابات السياسية خلال “الربيع العربي”، أصبحت الدمى أدوات للاحتجاج
عانى شادي من الدمار الذي خلفته الحرب، حيث فقد كل معداته تقريبًا وأصبح لاجئًا في لبنان. ومع ذلك، استعاد شادي أمله مرة أخرى عندما أدركت الأمم المتحدة في عام 2018 أن شكل الفن السوري التقليدي بحاجة ماسة إلى الحفاظ عليه. إن إدراج منظمة اليونسكو لدمى الظل السورية على قائمة التراث غير المادي يؤكد تراجعها وسط وسائل الترفيه الحديثة والتهجير الناجم عن الحرب. وقد عاد الحلاق الآن إلى دمشق، وهو عازم على ضمان بقاء فن الدمى على قيد الحياة من خلال تعليم محركي الدمى الآخرين، بدعم من المسؤولين الثقافيين السوريين
إن أوجه التشابه بين رحلة أمل الصغيرة وتقليد صناعة الدمى في سوريا ملفت للنظر. حيث أن كلاهما وسيلة لسرد قصص الاشخاص المهمشة التي لايوجد لها منبر . وكما تم استخدام الدمى للنقد أو رفع مستوى الوعي، فإن رحلة أمل الصغيرة تجلب الوعي لظروف اللاجئين، وتعزز التعاطف والتفاهم عبر الحدود. إنها تذكرة لنا جميعًا بأننا نستطيع أن نتضامن مع النازحين ونخلق عالمًا تتاح فيه لكل فرد فرصة العيش في سلام وكرامة