كلّ يوم أسير في دمشق من جنوبها إلى غربها مرورا بشمالها، المدينة هي سوريا تمتلئ بأناس من كل أنحائها ففيها لاجئون؛ كحال ذاك الشيخ الذي فقد ابنه و بيته و بضع هكتارات من الأرض كانت لديه يوما، يعيش في مدرسة هذه الأيام مع عشراتٍ مثله. فرصه القليلة للاختلاط بالناس هي تلك التي يحظى بها عندما يزورنا في المشفى ليعالج حالته الربوية بعد أن فقد أدويته مع كل شيئ آخر. دائماً يدخل بأنفاسه المتسارعة، و ابتسامته المتواضعة اللتي تجعلك تتساءل
آخرون أوفر حظّاً لا يتوجب عليهم القلق كثيرا بسبب نقص الغذاء أو السكن فكل أفراد العائلة يعملون ليحافظوا على الابتسامة السورية الفخورة. آخرون مُهجَّرون أو دمشقيّون هاربون من حيّ لآخر و بعضهم يهرب للمرّة الثانية أو حتّى الثالثة…
عندما أتيت الى دمشق منذ أربع سنوات – قبل الأحداث بسنة – أكثر ما لفت انتباهي عبوس أهلها. كانوا منهكين، مستنزفين، متعجّلين. لسخرية القدر، الآن بدأ الناس يلاحظون جمال هذه المدينة؛ المدينة القديمة و خصوصا عند الغروب لا تزال مركز الاهتمام. أما الغسق فوقت جميل، وقت مسالم – على قدر ما يمكن أن يتواجد السّلام في مدينة تحارب نفسها.
بالطبع ستجدون الخوف في أوجه البعض، لكن الابتسامات أكثر توافراً من قبل. قد نشعر أننا محتجزين ضمن فقاعة هائلة على شكل مدينة لكن أولئك الّذين بقوا هنا يعيشون حيواتهم لأقصى الحدود.
السوريّون ربما ينقصهم الكثير في هذه الظروف لكن ليس الابتسامة، ليس بعد