كنت أستيقظ يومياً في السابعة والنصف، أتناول الفطور مع أبي و أمي ثم أذهب لعملي، الّذي كان قرب بيتنا، أسلم على جيراني المتّجهين لأعمالهم و على بعض من يشرب قهوة الصباح أمام منزله و أحياناً أجلس معهم نحتسي القهوة سريعاً.
أصل عملي في الثامنة وأستمر حتى الخامسة حين أذهب إلى معهدٍ لتعلّم اللغة الإنجليزية لمدة ساعتين كل يوم، أعود بعدها في الثامنة لأتمّ عملي حتى العاشرة ثم أعود للمنزل فأجتمع مع عائلتي، نتناول العشاء سوياً ثم نشرب الشاي و نتحدث عن يومنا. أستمتع جداً بالجلوس مع عائلتي لا سيّما أن أبي يحب المزاح فتكون الأمسية مليئة بالضحك والمرح. أذكر مرة من شدة استمتاعي قلت لوالديّ “هل في الجنة حياة أجمل من حياتنا هذه!؟” كانت حقاً حياةً رائعة.
عطلتنا في سوريا يوم الجمعة، فكنت كل خميس بعد العمل أذهب مع أولاد عمي إلى أحد المطاعم أو لمنزل أحدنا حتى الساعة الثانية او الثالثة فجراً و حتى في هذا الوقت تجد الكثير من الناس، أما المواصلات فلا تتوقف، فحلب معروفة بأنها مدينة لا تنام. أحيانا أذهب إلى أصدقائي لنشاهد مباراة فريق الإتحاد الحلبي لكرة القدم على التلفاز، أو نذهب إلى استاد حلب الدولي لنشاهدهم ونشجعهم حيث المتعة أكبر، فالملعب يتسع لما يزيد عن السبعين ألف متفرج وغالباً ما يكون ممتلئاً. نعود منه إلى منزل أصدقائي فنجتمع ونقرأ القليل من القرآن ثم نلعب البلاي ستيشن بعض الوقت.
أو نذهب إلى قلعة حلب التي تقع على بعد 700 متر عن حيّنا. كنت أزورها كثيراً وأحبها. و قد شبّه البعض مدينة حلب بالطبق و القلعة كالفنجان وسطه.
قلعة حلب تعدّ أكبر و أقدم قلعة داخل مدينة في العالم، مبنية على هضبة ارتفاعها 40 متراً. حولها أماكن تراثية كثيرة، كحمامات تعود للقرن السادس الميلادي، و سوق المدينة الذي هو أطول سوق مغطى في العالم. تدخله فتجد كل ما تريد، كسوق العطورات وسوق القطن والصابون وسوق القماش. أغلب هذه الصناعات يدويّة مصنّعة بالطرق القديمة والآلات الخشبية. أشعر حين أزور القلعة وتلك الأسواق أنني أعيش تلك العصور حقاً.
أما أجمل مشهد فهو المطر حين يحوّل الأرض لمرآة تعكس كل ما هو حولها، فكنت أقف أمام القلعة أستشعر عظمتها و عظمة من سكنها عبر التاريخ، أتنفس الهواء النقي وأتفكر في الأرض المبلولة وقد عَكَسَت صورة حلب وكأنها تريد أن تريها للسماء.
Second image by Richard Messenger; last image by Hovic via Creative Commons