حلمي كان أن أدرس الفنون الجميلة في دمشق، لكن والديّ كان لديهما رغبة أخرى لأن الفنون في سوريا غير مدعومة حكوميّا و ليس لها مستقبل، لذا دخلت كلية الاقتصاد. لكن هذا لم يمنعني من ممارسة هوايتي حيث اشتركت بمسابقات على مستوى القطر في مجال الرسم خلال فترة دراستي و أخذت المركز الأول لأربع سنوات متتالية. كنت قد اكتسبت شغفي بالرسم من ابي و كنت ارسم على الجدران في طفولتي.
كنت دائما ابحث عن أساليب جديدة في الرسم، و عملي التطوعي في جمعية الأرش التي تهتم بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لمدة خمس سنوات حفزني على إيجاد طرق سهلة و بسيطة لعمل لوحات يعود ريعها للجمعية، من بين الأفكار وضع الرمل على ورق لاصق، ووضع زهر مجفف ليصبح كرت معايدة في المناسبات. و بعدها تطور الأسلوب فكان التحدي أن أرسم شخصيات بالرمل. عرضتها على زملائي بالعمل، اللّذين أصبحوا يطلبونها مني و هذا ما دفعني أكثر لأطور هذا المجال و أهتم أكثر بالمواد المستخدمة، فكنت أجرب دائما مواد جديدة لأحصل على أجمل نتيجة.
بدأت الحرب فخرجت من البلد لعدم رغبتي بالمشاركة فيها و سافرت إلى لبنان حيث عملت في المجال البنكي. و لكن هذا أيضا لم يمنعني من ممارسة هوايتي.
في لبنان الاهتمام بالفن أكبر فقررت في وقت الفراغ أن أذهب إلى الأسواق لاستكشاف ما تحتوي من معارض للرّسم، أردتّ إيجاد أسلوب آخر للرسم يكون غير عادي و يجذب الناس، و هذه كانت بداية الرسم بالرمل. شاركت في معرضين في لبنان نالا إعجاب الكثير من الناس، لكن بعد فترة تركت لبنان لإحساسي بأنها بلد غير مستقر فسافرت إلى ألمانيا لأزيد فرصي، و هنا كانت الرحلة (رحلة الموت) التي كانت مليئة بالمخاطر، كتجار البشر و ذلك التركي الذي لن أنسى وجهه فقد تركنا ليلا في البحر و قال” أكملوا طريقكم”، كان الجميع يبكي، أطفالا وكبارا، لم يترك لي خيارا آخر سوى أن أقود القارب الذي يحوي ثمانية وأربعين شخصا عدا الأطفال الرضع، كانت المرة الأولى التي أقود فيها قارباً. استغرقت الرحلة من تركيا إلى الجزر اليونانية خمس ساعات، صادفنا فيها أسماك الدلفين و الأمواج العاتية و خفر السواحل التركية و لكن نجونا. وصلنا ليلا ثم أشعلنا النار لتجدنا المروحيات اليونانية. بعدها ساعدنا الصليب الأحمر في الطريق إلى ألمانيا الذي استغرق خمسة أيام بين بواخر و حافلات.
كنت أقضي أغلب الوقت بالرسم، لفت هذا أنظار الألمان و فرانكفورت مدينة مليئة بالمعارض و تهتم بالفنون و فيها جمعية تهتم باللاجئين اللّذين لديهم مواهب، تواصلوا معي فكان أول معرض لي في ألمانيا بعنوان (التراث الضائع)، و نال إعجاب الكثيرين. الآن بعد أن انتقلت لمدينة كولن أمضي وقتا أكثر في الرسم باحثا عمّن يؤمن بفكرتي.