الدكتور جوناثان هولت شانون عالم أنثروبولوجيا وموسيقي. يقضي معظم وقته في الأوساط الأكاديمية كأستاذ للأنثروبولوجيا في كلية هانتر في مدينة نيويورك، حيث يقوم بتدريس الدورات وإجراء الأبحاث في أنثروبولوجيا الموسيقى والفن العربي، وكذلك في دراسات الشرق الأوسط والثقافة والسياسة.
تركز أبحاثه على الثقافات الموسيقية في سوريا والمغرب وإسبانيا. قام بتأليف دراستين مؤثرتين عن الموسيقى الإسلامية: بين أشجار الياسمين: الموسيقى والحداثة في سوريا المعاصرة والأداء الأندلسي: الموسيقى والحنين عبر البحر الأبيض المتوسط. تركز أبحاثه الأخيرة على موسيقى اللاجئين السوريين في تركيا وألمانيا والسويد.
كيف أصبحت عالم أنثروبولوجيا وموسيقيًا؟
لقد كنت دائمًا عالمًا في الأنثروبولوجيا – ألسنا جميعًا!؟! كانت لدي دائمًا أسئلة حول عالمنا، وأحببت السفر كثيرا. درست الأدب عندما كنت طالبًا جامعيًا وعملت في مجال البحث الطبي بعد تخرجي. كان ذلك في أوائل التسعينيات، وكنت أعيش في مدينة نيويورك، وقررت أن أتلقى دروسًا ليلية في كلية هانتر، وهي جامعة قريبة من مكان إقامتي. درست مادة مقدمة في الأنثروبولوجيا الثقافية، وفي نهاية الفصل الدراسي تحدثت إلى أستاذ في مركز الدراسات العليا، وتم قبولي في الدكتوراه.
لماذا سوريا ومتى زرتها لأول مرة؟ ما هي تجربتك هناك؟
لقد انجذبت إلى سوريا بسبب جذوري العائلية، فقد ولد جدي في لبنان وأمه، جدتي الكبرى، ولدت في حلب، لذلك كان لدي اهتمام بالمنطقة وأردت دراستها بشكل أكبر. بعد أن تم قبولي في الدكتوراه أخذت دورة مكثفة في اللغة العربية، ثم ذهبت في صيف عام 1994 إلى القاهرة وحضرت CASA (مركز دراسة اللغة العربية في الخارج)، حيث درست اللغة العربية المتقدمة.
قمت بزيارة سوريا لأول مرة في أغسطس من عام 1994 وزرتها مرة أخرى في عام 1995. السوريون مضيافون وكريمون، وهناك شعور قوي بالآداب الثقافية هناك، حتى عند شرب القهوة (أنت لا تشرب الماء بعد القهوة أبدًا!). كانت هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها المنطقة، وتعرفت على الاختلافات الثقافية بين القاهرة والمدن التي زرتها في سوريا. على سبيل المثال، لا يحب أهل القاهرة أن يخيبوا آمال الأجانب، فقد يعطونك اتجاهات إلى مكان ما، حتى لو كانوا لا يعرفون مكانه! وهذه ثقافة مقايضة إلى حد كبير. أما السوريون سيخبرك إذا كانوا لا يعرفون الطريق، وإذا عرفوا سيساعدونك وأحيانا يأخذونك إلى هناك، حتى عندما تكون درجة الحرارة 35 درجة في الشارع!
أخبرني كيف انتقلت من الأنثروبولوجيا الى البحث والكتابة عن الموسيقى في سوريا؟
كان تعرفي بالموسيقى السورية محض صدفة. خلال فترة الاستراحة الدراسية من الدورة التي كنت أدرسها في القاهرة، سافرت بالطائرة إلى حلب، حيث كان يقام مهرجان الموسيقى السورية السنوي. اشتريت صحيفة محلية وكانت مليئة بجداول الحفلات الموسيقية، لذلك حضرت عددًا قليلًا منها. قضيت وقتا ممتعا هناك وقررت زيارة دمشق.
كان هناك شعور بالنظام في هذه الأماكن، وأحببت الطعام، بالإضافة شعوري بالانتماء الى ذلك المكان بسبب جذوري هناك، لذلك قررت البقاء.
كنت موسيقيًا قبل ذلك فأنا أعزف الساكسفون والفلوت وقررت عندها أن أبحث عن شخص ليعلمني العزف على الناي. ثم التقيت بمدرس متخصص في العود، فقررت أن أتعلمه بدلاً من ذلك.
هل يمكنك التحدث عن زياراتك لسوريا وما الذي بحثت عنه عندما كنت هناك؟
أول رحلة بحثية في أطروحتي كانت إلى حلب عام 1995. اتصل بي الموسيقار والملحن الفرنسي جوليان فايس حيث كان يعيش في حلب في ذلك الوقت، وقمت بزيارته. التقيت عنده مع عازف العود الشهير محمد قدري دلال، الذي كنت أعرفه لأنني استمعت إلى موسيقاه عندما كنت في القاهرة. أصبح محمد الآن مرشدًا وصديقًا لي.
أخذت دروسًا مكثفة في العود مع محمد، وكان يزورني في شقتي كل يوم تقريبًا. كان هناك تناغم بينانا وقد نجح الأمر على عدة مستويات. لقد تعلمت الكثير عن الثقافة الموسيقية السورية من محمد، وكان رجلاً يتمتع بالمعرفة النظرية العظيمة.
كما زرت دمشق وعثرت على محل شرائط كاسيت اسمه “شام دان” كان صاحبه الراحل عادل زكي يبيع موسيقى لفنانين محليين. كانت هناك ثقافة كاسيت كبيرة في دمشق وبدأت في اقتناء مجموعة كبيرة من الموسيقى المسجلة. بعدها قمت بزيارة هذا المتجر بانتظام وأصبحت صديقًا للمالك. كان لديه كل شيء، أكثر من مليون أغنية في مجموعته. أنشئت مجموعة من الموسيقى السورية وساعدني في تنظيمها صاحب المحل وكان رجلاً أكبر سناً مني وطلب مني أن أدعوه بـ “العم”، وهو مصطلح يدل على الاحترام والحميمية.
أخبرنا المزيد عن رحلتك الدراسية والتعلمية مع الموسيقى السورية.
تعود أصول الموسيقى السورية التقليدية إلى الإمبراطورية العثمانية، وتتضمن عناصر من الثقافات الموسيقية من بلاد فارس وتركيا وأجزاء أخرى من العالم العربي.
في العصر الحديث، تعتبر الموسيقى السورية مركزية في المجموعة الأكبر لما يسمى الآن بالموسيقى “العربية”. أنداك كانت فكرة القومية العربية قوية، حيث كان حزب البعث التابع للأسد من أشد المدافعين عنها. كما أن التراث مهم في سوريا، والموسيقى السورية لها ارتباط قوي بالتقاليد والتراث.
حافظت سوريه على الموسيقا العربية التقليدية. في أجزاء أخرى من العالم العربي، تعتبر الموسيقى الرائجة والأغاني جديدة وحديثة، حتى لو كانت مبنية على الشعر العربي. لكن في سوريا ما زالوا يعزفون الأغاني القديمة، والعديد منها له جذور من العصور الوسطى. لا تزال الموسيقى من القرن العاشر تؤدى وتؤلف، ولا تزال تعتمد على الموشحات، وهو نوع ونموذج موسيقي شعري قديم، ومستودع للثقافة والحضارة العربية. يعتبر هذا النوع القديم من الموسيقى شي من التاريخ في مصر، لكن في سوريا يستمع اليه الناس بشكل يومي، حتى في سياق الحرب
على الرغم من أن الموسيقى العربية التقليدية قد أهملت من قبل الدولة لسنوات، إلا أنها ظلت حية في الأماكن الخاصة، كما هو الحال في المنازل وفي الذكر الصوفي، وهكذا استمرت عبر السنين. تتضمن الصوفية، البعد الأكثر روحانيه للإسلام، حيث هناك طقوسً روحانية تسمى الذكر (التأمل المرتجل). تعلم الصوفية أن الصوت الجميل وسيلة لإيصال رسالة القرآن، وقد نشأ العديد من الفنانين السوريين العظماء في الذكر في المسجد بعد صلاة الجمعة. غذّى العازفون الصوفيون تيارًا طويلًا من المواهب الموسيقية، خاصة في حلب، التي كانت تاريخيًا مهدًا لأفضل الموسيقيين.
بطريقة ما، كان الذكر هو المعهد الموسيقي الحقيقي في سوريا، على عكس نظام المعهد الموسيقي الوطني السوري، الذي ينبع من الحكم الاستعماري الفرنسي ويركز على الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية.
متى كانت زيارتك الأخيرة لسوريا؟ هل بقيت على اتصال بأصدقائك الموسيقيين الذين فروا؟
كانت زيارتي الأخيرة لسوريا في عام 2009. وقد انتقل العديد من السوريين إلى تركيا، وأعرف عددًا قليلاً من الموسيقيين السوريين الذين عزفوا الموسيقى في شوارع اسطنبول لكسب المال عند وصولهم لأول مرة. وهذا أمر لافت للنظر لأن الغناء في الشوارع كان يعتبر غير مناسب في سوريا، لكنهم شعروا أنه ليس لديهم خيار لأنهم بحاجة إلى إعالة أسرهم. لقد كانوا يتمتعون بالمرونة والتصميم والإبداع في جهودهم من أجل البقاء وصنع الحياة لأنفسهم. معظمهم فنانين مدربين وموهوبين، وكان ينبغي عليهم تقديم عروضهم في قاعة الحفلات الموسيقية.
يوجد في إسطنبول الآن عدد كبير من السكان السوريين، وقد شكلوا مجتمعات في المدينة وما حولها. إنهم يريدون الطعام ووسائل الراحة الأخرى من المتاجر والمطاعم السورية، ويريدون سماع الموسيقى السورية، لذلك قدم بعض الموسيقيين السوريين المشهورين عروضاً على التلفزيون التركي وتجري مقابلات معهم في الصحافة التركية.
العديد من أصدقائي الموسيقيين السوريين في إسطنبول يحملون الآن الجنسية التركية، وقد افتتح عدد قليل منهم ورش عمل موسيقية حيث يقومون بالتدريس، والعديد منهم يزدهرون. هناك تفاهم عام بين هذه المجموعة من الموسيقيين بأنهم لن يعودوا إلى ديارهم.
في سعية لفهم كيف يتكيف السوريون مع الحياة في استنبول من خلال الموسيقا، وكيف غيروا من موسيقاهم لتناسب حياتهم الجديدة، قام جوناثان بزيارة بعض أصدقاءه في استنبول. لقد استغرق الأمر من أحد أصدقائه وهو مغني من حلب أكثر من سنه للبدء في الغناء من جديد. حيث بعد هروبه من منزله كان الغناء والموسيقى يحزنه بالإضافة ال انشغاله بتأمين متطلبات المعيشة، في عام 2016 بدأ يغني من جديد على شاشه التلفزيون باللغة العربية في تركيا. يمكن العثور على هذه القصة في https://dergipark.org.tr/en/download/article-file/1354200