مقابلة مع خوان ديلغادو
“أردنا استعادة مساحة للـسوريين لمشاركة قصصهم؛ أردنا أن نوفر منصة للأصوات التي ازالتها الحرب.”
السؤال: قِصتنا تعني “قصتنا” (قصتنا باللغة العربية). هل يمكنك أن تخبرنا قليلاً عن كيفية نشوء هذه المنصة لسرد القصص و”أرشيف التجربة السورية” ؟
الإجابة: وُلدت “قصتنا” في أوائل عام 2013 كرد فعل على التدفق المستمر للصور في وسائل الإعلام الرئيسية التي كانت تروي قصص الدمار الذي لحق بالأحياء في جميع أنحاء سوريا، وازدياد مستوى الدمار في المدن، والخسائر البشرية التي لا يمكن تعويضها. كل يوم كنا نشاهد الطائرات والمروحيات وهي تُسقط البراميل، وصوت المباني وهي تتحول إلى أنقاض، والناس يركضون وسط سحب الدخان والغبار لمحاولة إنقاذ من أصيبوا للأسف بالقنابل. أصبحت .هذه الروايات، في الكثير من الأحيان، لا تُحتمل وتركت الجميع في حالة من الشلل
في هذا التدفق من الإبادة، شعرنا بأننا مجبرون على الاقتراب من السوريين. أردنا أن نعرف من هم، واستمعنا إلى قصصهم بينما كان صوت المباني التي تتمزق يتردد في الخلفية. أردنا استعادة مساحة للسوريين لمشاركة قصصهم؛ أردنا أن نوفر منصة للأصوات التي ازالتها الحرب.
السؤال: تقولون إن هدفكم هو إنشاء “سجل لتجارب الحياة اليومية للسوريين بشكل منفصل عن الروايات اليومية للسياسة والحرب الأهلية.” لماذا تعتقدون أن هذا مهم؟
الإجابة: كانت هناك تعليقات مستمرة حول الثورة والحرب منذ بدايتها. وأعتقد أن الناس بمرور الوقت يصبحون غير مبالين بالأخبار “السلبية” ويتوقفون عن الاهتمام. للأسف، يميل الكثيرون إلى تكوين آرائهم بناءً على الصور النمطية أو التغطية الإعلامية السلبية. تسعى “قصتنا” إلى كسر هذه الحلقة الخاطئة.
هدفنا هو إيصال الجوهر الحقيقي لسوريا: تاريخها الغني، ثقافتها، والجانب الإنساني الذي تجاهلته تغطية الحرب؛ ذلك الجانب الذي يوحّد الإنسانية وليس الذي يفرّقها. إنها ذكرياتهم التي نسعى لتوثيقها على أمل رسم الصورة الحقيقية لسوريا. كنا مصممين على خلق مساحة نسيها الكثيرون: أرشيف شامل ومتنامٍ للأجيال القادمة – من إنتاج السوريين أنفسهم.
السؤال:
إذا كان عليك وصف “قصتنا” بكلمتين، فما هما؟
الإجابة:
قوية وإنسانية.
السؤال:
ما هي القصص التي بقيت معك أو مع فريقك؟
الإجابة:
جميع القصص تُعد شهادة استثنائية على كرامة الإنسان، وهي مفعمة بروح الفكاهة التي تميز السوريين. ومع ذلك، القصة التي تذكرني بأهمية عملنا كتبها عبد الله. بعد أن اضطر لترك زوجته الشابة وابنته الصغيرة في إسطنبول، وجد نفسه عالقًا في أثينا. لأسابيع، حاولنا مساعدته في ركوب طائرة، وأصبنا بالإحباط لأنه كان يُوقف في كل مرة يصل فيها إلى المطار. في ليلة عيد الميلاد، تمكن أخيرًا من الصعود على متن الطائرة: لم يسبق له أن ركب طائرة من قبل ولم يذهب إلى فرنسا قط.
قصة أخرى جاءت من مجموعة من الشباب في داريا، وهي منطقة خارج دمشق كانت محاصرة لسنوات. هؤلاء الشباب كانوا ينقذون الكتب من تحت الأنقاض بعناية، ويضعونها على رفوف ما أصبح مكتبة تحتوي على أكثر من ألف كتاب. كانت الكتب تحمل عنوان المكان الذي وُجدت فيه على أمل أن يأتي صاحبها للمطالبة بها يومًا ما.
قصة مكتبة داريا أثرت على قلوبنا لدرجة أننا قررنا تنظيم أول ورشة عمل لسرد القصص مع الأطفال الذين يعيشون في أماكن كان من المستحيل الوصول إليها جسديًا. تم تقديم أول ورشة عمل لنا باستخدام “سكايب” لمجموعة من الأطفال الذين يعيشون في مخيم اليرموك، وهو حي في مدينة دمشق يسكنه لاجئون فلسطينيون.
السؤال:
ما هو الشيء غير المتوقع الذي نتج عن هذه المبادرة؟
الإجابة:
في عام 2015، تم تسليط الضوء علينا من قبل منظمة اليونسكو في حملتها #Unite4Heritage. أشادت اليونسكو بـ”قصتنا” كنموذج للحفاظ على التراث غير المادي للسوريين، وذكرياتهم التي كانت تحت خطر الاختفاء. لاحقًا، حصلنا على جائزة وطنية من مجموعة المحفوظات والتراث المجتمعي (CAHG).
نأمل أن يستمر أرشيفنا في أن يصبح أداة بحثية متميزة للمستقبل. لكنه أيضًا ينجح في تحقيق هدفه الأساسي قصير المدى المتمثل في بناء المجتمع. نثني على موقع “حديث سوريا” وندعو الجميع إلى زيارته.
السؤال:
أود التركيز على مسألة اللغة للحظة. هل معظم القصص مكتوبة بالإنجليزية أم بالعربية؟ هل يمكن أن تخبرنا قليلاً عن عملية الترجمة؟ ما الذي تعتقد أنه يُفقد أو يُكتسب أثناء الترجمة؟
الإجابة:
نجعل من أولوياتنا نشر القصص باللغتين الإنجليزية والعربية. نتلقى قصصًا مكتوبة بكلتا اللغتين، وبناءً على اللغة التي تُرسل بها القصة، نقوم بتوفير الترجمة المناسبة. العديد من القصص تُرسل بالعربية، وليست دائمًا بالفصحى. بعضها يحتوي على تعبيرات عامية تعكس المناطق التي ينتمي إليها الكاتب في سوريا، مما يضيف أصالة كبيرة للنص. نسعى جاهدين لضمان ألا تضيع معاني هذه التفاصيل الدقيقة أثناء الترجمة. نعم، ستكون هناك دائمًا عناصر يصعب نقلها تمامًا، لكن توفير الترجمة الإنجليزية يساعد هذه القصص الشخصية على الوصول إلى جمهور أوسع بكثير.
السؤال:
هل يمكنك توضيح عملية إعداد القصص للنشر؟ وما هي بعض الأسئلة النموذجية التي يطرحها المؤلفون؟
الإجابة:
أحيانًا تستغرق العملية، من لحظة التواصل مع الكاتب السوري وحتى تسليم القصة، أكثر من شهرين. يسأل الكثيرون: “ولكن، من يهتم بقصتي؟” وهذا يؤدي إلى محادثات حول قيمة هذه الذكريات، وارتباطها بالتراث الثقافي للـ”حكواتي”، الراوي التقليدي. كما ندرك أن استرجاع الذكريات قد يثير الألم الناتج عن التجارب الصعبة التي عاشها الشخص. “قصتنا” ليست فقط لنشر القصص، بل تتعلق أيضًا ببناء المجتمع وتمكين أفراده. أصبح بعض الكتّاب الآن مساهمين دائمين في موقعنا، وأصبحوا محررين ومترجمين لقصص الآخرين. يتطلب جمع القصص الكثير من الصبر والتفاهم وقبل كل شيء الاحترام. نحن نحترم ونقدر شجاعة الأشخاص الذين يواجهون ألمهم ومشاعر الفقد لاسترجاع ذكرى، أو حدث، أو لحظة في حياتهم، تربطهم بإنسانيتهم.
السؤال:
لقد ذكرت قلق الكتّاب من أن تؤثر قصصهم على عائلاتهم في الوطن. ما هي التدابير التي تضعونها لتجنب العواقب المحتملة لسرد القصص؟
الإجابة:
عدد كبير من الذين يشاركون قصصهم مع “قصتنا” قد فروا من مناطق القتال، لكن هذا لا يعني أن أولئك الذين قد تركوهم وراءهم في الوطن ليسوا في خطر. لذلك، غالبًا ما نقوم بتغيير الأسماء إلى أسماء مستعارة أو تغيير أسماء الأماكن لتجنب التعرف عليهم. وإذا طُلب منا، فإننا نتجنب نشر صور الكاتب. نحن نولي أهمية كبيرة لهذا الأمر: السرية والاحترام هما مبدآن أساسيان في عملنا.
السؤال:
أنت مخرج سينمائي إسباني تعمل على مبادرة للحفاظ على ذاكرة سوريا. هل يمكنك أن تخبرنا قليلاً عن هذه التجربة؟ ما هي بعض الأشياء التي تعلمتها من هذا المشروع؟
الإجابة:
بالنسبة للكثير منا ممن ليسوا سوريين، تبدو الحرب أمرًا بعيدًا بل وغامضًا. أنا أحد أحفاد أولئك الذين عاشوا الحرب الأهلية الإسبانية في أواخر الثلاثينيات. مدينتي، قرطاجنة، كانت ثاني أهم مدينة صناعية في المنطقة الجمهورية، مما جعلها هدفًا رئيسيًا للغارات الإيطالية والألمانية التي دعمت القوميين بقيادة الجنرال فرانكو.
اضطر أجدادي لتحمل الغارات الجوية المستمرة. وعلى الرغم من أنهم نجوا، إلا أن أجدادي تركوا مصابين بصدمة كبيرة، ومنازلهم دُمرت بفعل القنابل الحارقة التي ألقتها طائرات فيلق كوندور الألماني على المدينة.
بعد سنوات، سألت جدي عما حدث؛ لم يتمكن من الحديث، وفهمت أن هذه الصدمة أثرت بشكل كبير على جيل والديّ، الذين عاشوا في فترة ما بعد الحرب من الجوع والفقر. لم تذهب أمي إلى المدرسة أبدًا وبدأت العمل في سن الثالثة عشرة، بينما عانى والدي من إدمان الكحول مثل الكثيرين من جيله.
أعتقد أن هذه التجربة هي التي دفعتني إلى بدء “قصتنا: حديث سوريا”، في محاولة للعثور على تفسير لما يُنظر إليه على أنه سرد لا يوصف.
السؤال:
لقد ذكرت قلق الكتّاب من أن تؤثر قصصهم على عائلاتهم في الوطن. ما هي التدابير التي تضعونها لتجنب العواقب المحتملة لسرد القصص؟
الإجابة:
عدد كبير من الأشخاص الذين يشاركون قصصهم مع “قصتنا” قد فروا من مناطق الحروب، ولكن هذا لا يعني أن أولئك الذين تركوهم وراءهم في الوطن ليسوا في خطر. لذلك، غالبًا ما نقوم بتغيير الأسماء إلى أسماء مستعارة أو تغيير أسماء الأماكن لتجنب التعرف على الأشخاص. وإذا طُلب منا، فإننا نتجنب نشر صور الكاتب. نحن نولي أهمية كبيرة لهذا الجانب: السرية والاحترام هما مبدآن أساسيان في عملنا.
السؤال:
أنت مخرج أفلام إسباني تعمل على مبادرة للحفاظ على ذاكرة سوريا. هل يمكنك أن تخبرنا قليلاً عن هذه التجربة؟ ما هي الأشياء التي تعلمتها من هذا المشروع؟
الإجابة:
بالنسبة للكثيرين منا ممن ليسوا سوريين، تبدو الحرب شيئًا بعيدًا بل وغامضًا أحيانًا. أنا أحد أحفاد الذين عاشوا الحرب الأهلية الإسبانية في أواخر الثلاثينيات. كانت مدينتي، قرطاجنة، ثاني أهم مدينة صناعية في المنطقة الجمهورية، مما جعلها هدفًا رئيسيًا للهجمات الجوية من الطائرات الإيطالية والألمانية التي دعمت القوميين بقيادة الجنرال فرانكو. كان على أجدادي تحمل غارات جوية مستمرة. ورغم نجاتهم، إلا أنهم تعرضوا لصدمة كبيرة، حيث دُمرت منازلهم على يد طائرات “فيلق كوندور” الألمانية التي ألقت قنابل حارقة على المدينة.
بعد سنوات، سألت جدي عما حدث، لكنه لم يستطع الحديث، وفهمت أن هذه الصدمة تركت أثرًا عميقًا على جيل والديّ، الذين عاشوا في فترة ما بعد الحرب مليئة بالجوع والفقر. والدتي لم تذهب إلى المدرسة وبدأت العمل في سن الثالثة عشرة، أما والدي فقد عانى من إدمان الكحول مثل كثيرين من جيله.
أعتقد أن هذه التجربة هي ما دفعني لبدء “قصتنا: الحديث عن سوريا”، كمحاولة لفهم ما يُعتبر سردًا لا يوصف.
السؤال:
هل يمكنك أن تخبرنا قليلاً عن باقي أعضاء فريقك؟ كيف انضموا إلى المبادرة؟ وكيف يصف الناس فريقك؟
الإجابة:
فريق “قصتنا” يعمل معظم أعضائه بشكل تطوعي بدافع الشغف بالكلمة المنطوقة، وتوثيق التجارب الإنسانية، وتسجيل تاريخ الشعوب. يفعلون ذلك للحفاظ على ذكريات الناس، ولغتهم، وثقافتهم، وتراثهم، وهي أمور قد تُفقد بشكل لا رجعة فيه نتيجة محاولات “اندماج” الناس. معظم الفريق من السوريين، وقد انضموا إما بمبادرة شخصية بعد أن اكتشفوا “قصتنا”، أو بدعوة مني. ما يجمعهم جميعًا هو التفاني والالتزام بنقل رسالتنا وإيصالها إلى عدد أكبر من الناس. يعد فريقي بأنه مجموعة من الأشخاص المتفانين وغير الأنانيين الذين يخصصون وقتهم لقضية يؤمنون بها بصدق. فريقنا يعمل عبر دول مختلفة؛ أعضاؤه منتشرون في السويد، وكندا، وماليزيا، وسوريا، وفرنسا، ودبي، وأرجاء مختلفة من المملكة المتحدة.
السؤال:
ما هي بعض الأهداف طويلة المدى التي يسعى فريق “قصتنا” لتحقيقها؟
الإجابة:
نهدف إلى مواصلة تسجيل القصص، سواء من خلال الأداء أو الفن البصري أو التسجيلات أو الموسيقى أو الكلمة المكتوبة. نسعى لبناء جسور بين المجتمعات من خلال جعل هذه القصص أكثر وصولًا وتيسيرًا. كما نعمل على تنفيذ شراكات مع مجموعة واسعة من المؤسسات التعليمية والفنية لتوسيع نطاق الوصول. نحن نعمل باستمرار على تحسين أهدافنا، وأشجع فريقي دائمًا على المساهمة في ذلك من خلال تبادل الأفكار. نحن محظوظون لأن لدينا فريقًا متنوعًا من العاملين الذين يتمتعون بمهارات خاصة تساهم في نجاح “قصتنا” وتطورها المستمر.
ترجمه جيا بخشي