المملكة المتحدة بدت مختلفة عن سوريا 800 درجة. عندما كنت في دمشق فقدتُّ معنى الحياة. علماً أنني كنت بألف خير مقارنة باللّذين يرزحون تحت الحصار.
بدايةً كان التغيير تدريجيا، لكن قبل تخرّجي ببضعة أشهر بدأت الأمور حقّا بالغليان. بدأنا نعتاد الأصوات المرعبة ليلاً.
قد كنت مصمّمة على إيجاد عمل في دمشق و البقاء فيها، لكن عندما يحدث أمر ما في المدينة و تكون بقيتَ على قيد الحياة فقط لأنك لم تكن في المكان الخطأ في الزمان الخطأ، يكبر خوفك و يكبر و يكبر.
كنت أذهب الى عملي يوميّا قلقةً على امّي في المنزل و هي تكون قلقة عليّ و كلانا قلقتان على أختي. إنها دائرة من القلق الغير منتهٍ.
تخيّل نفسك في شارع مزدحم على طريق العمل. أنت تتنفّس بسرعة لأنّك تشعر فجأة بأن كلّ شيء يمكن أن يتغير في ثوانٍ. قد لا تموت لكنك قد تعمى أو تخسر أحد أطرافك. جلّ اهتمامك ينصب على الخروج من ذلك الشارع، و أنت لا تزال تسمع أصواتاً تحدث في مناطق قريبة و تفكّر: حمداً للّه، لم يحدث شيء هنا اليوم.
عرفت جورج مذ كنت في سوريا. كنّا ندرس في نفس الجامعة و قد أصبحنا أصدقاء مقرّبين. ثمّ سافر خارج البلاد، الأمر الّذي كان صعباً جدا عليّ و بكيت بسببه كثيراً. بقينا نتواصل عبر السّكايب لسنوات حتى أدركت أنه حان الوقت لفعل شيء ما.
حينها فقدت كلّ أمل ببناء مستقبل في سوريا. كنت قد أخذت قررا بالدراسة في برايتون لكن جورج شجعني على اختيار برادفورد.
عندما غادرت كان مزيجا من مشاعر الرّاحة و السّوء الفظيع يتملّكني. لا زلت أذكر المشاهد الأخيرة من رحلة مغادرتي فقد جبرنا على أخذ طريق ثانوي يمر بكامل المدينة. نظرت خلفي في لحظة حزينة جدا و احتفظت بصورة آخر أجزاء من دمشق قبل أن يخفيها الجبل.
عند وصولي الى انكلترا أصبحت في أمان. أستطيع الآن أن أحيا حياة طبيعية، على الرّغم من نوبات ذعر لازالت تزورني حيانا.
كنا أصدقاءً أنا و جورج في سوريا لكن في برادفورد تغير شيء ما. لم نفكر بالأمر هناك. كانت هذه الفكرة مختبئة في مخيّلتنا، لكنّها لم تتبلور و تصبح واقعا حتى انتقلت الى هنا. بعد ثلاث سنوات فراق حدث الأمر فحسب.
أنا ذات أصول مسلمة و جورج مسيحي. في سوريا كنا سنكون معا، لكن مستقبل علاقتنا كان ليكون محدودا وصعبا و خيار الزواج هناك أصعب بكثير فقد كنا لنواجَه بكثير من الرّفض.
تبين لاحقا أننا حصلنا على دعم عائلتينا فعائلتي ليست متديّنة.
في أحد الأيام قررنا مع الكثير من أصدقائنا السوريين الذهاب إلى برايتون و استئجار منزل لقضاء عطلة صغيرة على الشاطئ.
في اليوم التالي كنا أمام البحر عندما بدأ جورج يريني صورا لنا. شعرت بحرارة في داخلي ثم رأيته يمسك صندوقا أهديته إياه قبيل سفره منذ سنين طويلة. كان صندوقا خشبيا مزخرفا من دمشق القديمة. بداخله خاتم! أعطاني زهورا جميلة لأضعها في شعري بينما كان أصدقاؤنا يصورون الأمر برمّته.
أحيانا أشتكي من أمور صغيرة. أفكر مثلا: “لا أستطيع إيجاد فستان العرس الذي أريده أو أنه مرتفع الثّمن” ثم أنظر إلى نفسي و أفكر: “ما الّذي أفعله؟!” من المفهوم أن يشتكي النّاس من أمور سخيفة، لكن في الحياة ما هو أهم.
كما قصّتها على جوليا رامبن
ترجمة: سامر خوري