في بيتنا لكل شيء دفتر، من دفتر السمّان الشهري، دفتر التموين، دفتر العائلة، دفتر الراتب، دفتر الإملاء، دفتر أرقام الهواتف، وكل هذه الدفاتر لها نفس النهاية، أقرب محل صندويش فلافل في الحي.
لذا قررت أن أرمي دفتري هذا من رأسي على هذه المدونة الإلكترونية، متحاشياً مصيره بين زيوت القلي….
النعناع الزوري
الزمان: أيام الابتدائية.
المكان: قرية عيّاش
عرفت المعنى الحقيقي للنعناع الزوري في قرية عياش على ضفاف نهر الفرات، عندما خرجت عائلتي في نزهة ربيعية برفقة جيراننا، وحالما ترجلت جارتنا من السيارة، صرخت: نعناع زوري. لم أدرك ماذا تعني!! لكني في نفس الوقت كنت أشعر بأنني أشتم عطراً يذكرني بمرافقتي لوالدتي إلى سوق العطارين.
ركضت أم سامر تجاه الأعشاب القصيرة الخضراء، ركعت على ركبيتها وهزت الأعشاب بيديها، ثم رفعت يدها اليمنى باتجاه والدتي، اقتربت منها والدتي واستنشقت ثم شعرت بالحبور، فعلتُ نفس الشي، لامست يدي النعناع الزوري وقطفت بأصابعي رائحته، ومررت بها على أفراد عائلتي جميعاً، وفي كل مرة كانوا يستنشقون الرائحة ويغمضون أعينهم ويستمتعون وكأنها المرة الأولى، وأنا أشعر بالسرور مرة بعد مرة.
كنت طفلاً يعيشُ فرحة استكشاف عالم “النعناع الزوري”.
انتهت هذه النزهة بإبريق شاي منكّه بنعناع زوري قطفته بيدي.
النعناع الزوري صَنَع طفولتي.
الخيار الزوري
الزمان: أيام الإعدادية
المكان: حديقة منزلنا
جارتنا فاتن، لاتكل ولا تمل من تحضير وجبة العشاء يومياً في نفس الطقوس، تستمتع إلى أغنية الموليّا الديرية بصوت عبد القادر الحناوي (مطرب محلي من دير الزور يعرف بأغنية الموليا) تحاول فاتن منافسة المطرب بالغناء، وأحياناً يكاد يعلو صوتها على صوته.
صوت فاتن يشوّش على استمتاعي بسماع الأغنية وأنا أجلس إلى طاولة الدراسة في حديقة منزلنا، أشتم فاتن في قلبي وأضع السماعات على أذني كي أعود لكُتبي.
لكن فاتن تصر على مقاطعتي وتشويش أفكاري، بدأت فاتن بتقطيع الخيار، رائحة الخيار الزوري المقطع تنبعث من الطابق الأول إلى حديقتنا، تتسلل إلى معدتي وتدغدغها.
آه …المشهد الليلي نفسه، أغلق كتابي أضع السماعات على الطاولة، اتجه إلى المطبخ، أتناول قطعة خيار زوري أقطعها لأجمعها بالجبنة البلدية على قطعة خبز طرية.
الخيار الزوري يؤثر على دراستي!!!
الباذنجان الصغير
الزمان أيام الثانوية.
المكان: بائع الخضروات.
كل النسوة يتجمعن عند باعة الخضروات في دير الزور، كلهن ينتظرن وصول السيارات القادمة من ريف المدينة والمحمّلة بالباذنجان الصغير.
فهو المكدوس، هو مربى الباذنجان مع الجوز، هو الباذنجان المحشي الصيفي، لذلك النساء يتسابقن عليه، كي يتبجحن برصف المرطبانات الزجاجية الشفافة على رفوف المطبخ الممتلئة بالمكدوس والمربى.
أما عن دوري في هذه المنافسة، فهو ينحصر بحمل أكياس الباذنجان الكبيرة التي تشتريها والدتي، وهذا كله يحدث قبل الساعة السابعة صباحاً.
الباذنجان الصغير يحطّم عطلتي الصيفية.
البامية الديرية
الزمان: أيام الجامعة
المكان: جامعة دمشق.
هوية المطبخ الديري، البامية الزورية، التي تختلف عن أي نوع بامية موجود في سورية، مختلفة الشكل والطعم، يرغبها أهالي المحافظات الأخرى وتطلبها أمهات أصدقائي في دمشق كي أحضرها لهم.
مؤتمر صحفي حول البامية في الجامعة:
زميلة 1: لماذا تأكلون البامية كثيراً؟
أنا: لأنها لذيذة.
زميلة 2: سمعت بأنكم لا تقومون بقلي البامية قبل الطهي…هل هذا صحيح؟
أنا: نعم.
زميل 3 (وتبدو عليه علامات الاستغراب): هل تأكلون البامية باليد؟
أنا (بكل ثقة): نعم.
زميلة 4: هل لديكم احتفالاً للبامية مثل احتفال الطماطم في إسبانيا؟
أنا: لا، ولكن نتمنى ذلك.
وأعود إلى منزلي في دمشق، لأجد كيس بامية مثلج أرسلته لي والدتي، أسخنها و أتناولها بيدي.
البامية الديرية تجعلني أشعر بالفخر.
متلازمة الخضروات الزورية
Images via Creative Commons: First, Chris RubberDragon. Second, Ingrid Taylar. Third, Paul Joseph. Fourth, Matt The Ogre