دمشق.. بالعربي.. وببساطة
دمشق رح تبقى دائماً بيتي..
مشتاقة لكل شي بالشام.. مشتاقة لأدق التفاصيل فيها..
مشتاقة اتمشّى بحواري الشام القديمة واكتشف زقايق ما كنت بعرف انها موجودة.
مشتاقة دردش مع العمو الختيار الحبّاب صاحب الدكّانة الصغيرة جنب الجامع الأموي.
مشتاقة لقعدة يوجا روحانيّة بصحن الجامع الأموي.
مشتاقة روح على حمّام أمّونة (اللي هو دائماً للبنات على فكرة) وهيك.. دلّل حالي.. وأتعرّف على أجانب جايين بهداك الوقت مشان يتعرّفوا على الشام، والحكيات الظراف والمحادثات الطويلة عن كل مدن سوريا و معالمها وآثارها.
مشتاقة أشرب كمّون وليمون بقهوة النوفرة جنب الجامع الأموي.
مشتاقة لقصص أبو شادي… أبو شادي الحكواتي، كان دائماً وهو عم يحكي القصّة ،معه بإيده عصايته الحديد الطويلة.. وقاعد على هالكرسي الملوكي وحاطط هالطربوش على راسه.. ومبسوووط، ببلّش بالقصّة والكل عم يتسمّع، بس أوّل ما يبلّش شي حدا يوَتْوِتْ بالخلفيّة وهو عم يحكي ببلّش بيقلب المقطع اللي عم يحكيه لدراما مشوّقة وبصير كتير حماسي الموضوع… وبِوَطّي صوته شوي… وفجأة، طاخ!!! بيخبط هالعصاية على هالطاولة المعدن الصغيرة اللي قدّامه وبيطلع صوت كتير قوي، وكل اللي قاعدين بالنوفرة بيسكتوا بنفس اللحظة… حتى اللي قاعد برّا بقول لحاله “ولي… شو عم يصير جوّا!! شكله حدا عم يحكي بوجود أبو شادي” واللي عم يتمشّى ومو فهمان شي بقول “شكلها وقعت الكمدينا على راس شي حدا”. يا الله شو مشتاقة لأبو شادي! الله يرحمه.
حتّى بتذكّر مرّة كنت آخدة كم حدا أجنبي يتفرّج عليه، أنّو أبو شادي الحكواتي هادا!! معلم سياحي محطوط على الليستا!! المهم… قاعدين عم يسمعوا القصّة قام طلّعت وحدة الكميرا وبلّشت تصوره فيديو… ما بتلاقيه غير مد ايده على جيبته وطلّع كمرته وبلّش يصوّر الحضور، طلّع بالأجنبيّة وحكا معها بالانكليزي ماشالله عليه، قال مو بس انتوا بتصوروني، وأنا بصوّركن كمان، ياللا قولوا باي للكميرا… و ما تلاقيلك غير كلّ النوفرة عم تلولح بإيديها.
مشتاقة لشاورما القصر اللي عند زنّوبيا اللي بطلعة المالكي، ولك أطيب شاورما بالعالم، ومع دبس رمّان، يا ويلي!!!
مشتاقة لكل كوع على جبل قاسيون.
مشتاقة أشربلي شي مشروب بارد وأنا عم اتفرّج على أقدم عاصمة بتاريخ البشريّة.
مشتاقة اتفرّج على الغروب من على قاسيون.. هيك.. بتكون سارد بالأفق، بتلاقي الشمس عم بتبلّش تنزل شوي شوي.. وكل ما غطست الشمس أكتر، كل ما العالم بلّشت تشعل الأضوية ببيوتها أكتر.. وعلى مهل.. بتشوف هالمدينة عم تشعل بيت بيت وحارة حارة.. هيك… لحتّى يصير عتمة وتصير الشام كلها مضوّاية، والله لوحة ما بيقدر يرسمها فنّان؛ روحانيّة المدينة اللي عم تتلألأ مع كل ضو مستحيل تنرسم على ورق أو تتوثّق بفيديو، بدّك تشوفها بعينك لتصدّق؛ شي بزعزع البدن على قد مو حلو.
مشتاقة للحياة البسيطة بالشام.
مشتاقة لسوق الشيخ محي الدين؛ أتمشّى بين العالم البُسَطاء اللي عم يبيعوا الخضرة والفواكه اللي على قد مو طازجة بتحسها مقطوفة من على الشجرة لبطنك دغري!! وهاللحمة والدجاج والزيتون والمكدوس والمخلل ولك كل شي بالسوق طازج، لأ وانت عم تتفتّل بالسوق لازم تمرق على بوز الجدي وتسفق صحن فتّة أبو الخمسة وعشرين ليرة (بهديك الأيام)
ماشالله كل شي بتلاقيه بالشيخ محي الدين..
كنّا نجيب ال دي في دي تبع الأفلام من هنيك!! بوقت اللي كان ينباع بالبحصة الواحد ب 75 ليرة أو ب 100 عند الغلوجيّة.. كنّا نجيب ال 4 بخمسين!! ونحس حالنا عم نعمل صفقة!! نجمّع حالنا شي أربع خمس رفقات ونطلع على هالسوق.. والله نفلّي المحل تفلاية ويطلع كل حدا جايبله شي 30 فلم على القليلة!! (وللعالم الصغار اللي عم يفكروا بينن وبين حالن “طيب ليش ما بنزلوهن تورنت.. والله أسهل من هالمشوار” ايه حبيباتي كنّا عايشين على الدايل أب بوقتها!! ما بتعرفوا شو هاد الدايل أب؟؟ ايه اسألوا غوغل برد عليكن بأجزاء من الثانية. على وقتنا كنّا نفتح شي فيديو على يوتيوب ونوقّفه مشان يحمّل ونروح نجهّز العشا على بين ما ينزل!! وأحياناً نخلّص عشا ولسّا ما يكون نزل كلّه… اسقالله على هديك الأيام شو حلوة.
مشتاقة لست الشام وأبو موفّق وبيت جبري وأبو جورج ونارنج وعشتار وساليه سوكريه ومأكولات السبكي وفرند والياطر وبكداش وأحلى طلّة والقصبجي والجاحظ وتشرين والتجارة وغيرن وغيراتن..
مشتاقة على سندويشة بطاطا من عند الروّاد.
مشتاقة لبيّاع الفول والبليلة على كل زاوية بكل حارة ايه حارة لأ!! مشان ايمت ما بدّك تقدر تاكل فول!! هاد غير بيّاع الدرة البيضا والدرة الصفرا وبيّاع الغزلة اللي على البسكليت اللي بيتفتّل وقت انصراف المدارس أثناء النهار وعند الحدائق وقت المسويّات.
ولي… وساحة الصبّارة!! وما أدراك ما ساحة الصبّارة!! هي ساحة الروضة يا سيدي، كل سنة بموسم الصبّارة بصير أسمها ساحة الصبّارة، وبتنفرش الطاولات والكراسي وبرّادات المي والأضواء واللافتات وسطولة الصبّارة اللي معبّاية تلج مشان تضل باردة!! وكول يا معلّم… أطيب صبّارة بالحياة، تبع الصحن بميّة أوّل شي بعدين بصير ب 50 ليرة بعد فترة!! وبتلاقي العالم قاعدة لل 4 وشّ الصبح عم تاكل صبّارة!! والله هلق وأنا عم فكّر فيها… عنجد تقليد غريب!! انو سهرانين عم ناكل صبّارة للأربعة الصبح!!! والله شعب رايق! ولك وحلوة القعدة!! وبتصير السيارات صافّة ووصلانة لنص الساحة وما حدا عم يحاكي حدا! بدّك تطلع ببعّدلك.. بدّك تصف، ايه سكّر عليي مو مشكلة.. قاعدين.. لسّا السهرة بأوّلها!
مشتاقة اتفرّج على شروق الشمس من بلكونة بيتي بشارع الملك العادل.. بسفل البناية في جنينة صغيرة دائماً فيها خَضَار.. ومافي بنايات عالية بمرأى النظر… بتكوني قاعدة بالهدوء ونسمة هوا حلوة.. وبتصير الساعة 4:57 والجامع الكويتي بدّو يطلع صوته مشان يأذّن لصلاة الفجر، وببلّش يفتح لون السما بالأفق، وببلّش الضو يتسلّل على مهله لَيكَسِّر عتمة الليل… بوقتها بتبلّش العصافير تفيق وتزقزق واحد ورا واحد.. وفجأة.. وبالثانية اللي بأنبز قرص الشمس فيها راسه، بفيق أوّل غراب.. وبقاقي بأعلى صوته.. وبتدبّ الحياة بالشوارع، الناس عم تمشي على الجامع لتصلّي، الجنايني بلّش بسقاية الشجر بالجنينة مشان يلحّق التراب ينشف قبل ما ينزل أولاد الحارة يلعبوا ويطبسوا بالطّين، صار في حركة سيّارات بالشارع وبلّش يوم جديد…
أحياناً كنت ضل سهرانه كل الليل عم اترقّب هالعشر دقائق اللي لا يُقَدّروا بثمن، آااخر رواق، وروحانيّة الشام بتكون ضاربة للسما؛ شعور بخلّيك تكون مليء بالسعادة والطاقة الإيجابيّة. انو أنا هلّق عم فكّر فيها وابتسم!! كيف إذا كنت عم تعيشها بث مباشر! والله أنا كنت وقّف على البلكون وابتسم لحالي، لو حدا عم يتفرّج عليي بقول جنّت البنت!!
مشتاقة أطلع بتكسي الصبحيّات وما يطلعلي غير صوت فيروز. مشتاقة لحميميّة دمشق.
والله عم يوجعني قلبي كل يوم وأنا بعيدة عن الشام، ومشتاقة لكل شي فيها.
بحسن ضل عم أكتب عن الشام على قد ما بدكن، بس لحتّى حاول وصّل مفهوم “دمشق” بالنسبة إلي!
بس لو انت عشت بالشام لفترة من الزمن، أو اجيت زيارة على الشام حتّى لو لمرّة وحدة بحياتك، رح تعرف بالضبط أنا شو عم حاول قول واشرح.
بالنسبة إلي أنا… دمشق رح تكون دائماً جنّة على الأرض.
Photos: featured Image:Damascus at Night by James Filipi via Flickr, Post photos: Top:Alhakwati by Masa Kateb, Bottom:Damascus by Masa Kateb.