عندما أرى سائق الباص ذي الطابقين في لندن يقف على بعد متر واحد ربما من موقف الباص بعد اقلاعه ليمكن شخصا يركض خلف الباص من صعوده، أبتسم. لأن تلك اللحظة تعطيني الأمل و أحس أن في هذا النظام المعياري الدقيق لا يزال هناك مكان لإيماءة بشريةٍ عفوية، و أيضا لأن تلك اللحظة تذكرني قليلا ببلدي
في سوريا، “الميكروباص” أو “السرفيس” كما يسميه مرتادوا ركوبه، هو نصف باص أو ربع باص إن شئت أبيض اللون دائما صغير يتسع لما بين ١٢-١٤ راكباً، باستثناء البعض منها حيث فام بعض السائقين المبدعين باضافة كرسي أو اثنين قابلين للطي في الممر الجانبي
ركوب الميكرو يشكل للسياح مغامرة متهورة، ولكن لنا نحن السوريون هو وسيلة المواصلات الأكثر استخداماً. وبالرغم من عدم موافقة والدتي إلا أنني بدأت أركب الميكرو حين صرت في الصف التاسع، وكانت طريقة مثلى لأوفر جزءً من مصروفي الشهري لأمور التسلية
إحدى أهم خصائص الميكرو انها المركبة الوحيدة التي يخشى جميع السائقين في سوريا القيادة الى جوارها، نتيجة القيادة الجنونية من قبل سائقها، حيث ان سائق المكرو- كما يفسر بعضهم فلسفتهم في هذه المهنة – لا يرى الركاب على الطريق أناسا بل يراهم نقودا تتحرك على الأرض وعليه الاسراع لالتقاطها قبل أن يسبقه إليها سائق آخر وهكذا تستطيع الاعتماد على الميكرو للوصول إلى وجهتك بالسرعة القصوى أينما كنت ودون أدنى تأخير ولا تخشى أن يتجاهلك السائق. وعلى عكس باصات النقل الداخلي التي لا تتوقف إلا في المواقف الرسمية، فالميكرو يعطيك فرصة صعوده من أي مكان حتى منتصف الطريق أو عند وقوفه على الإشارةالحمراء
أثناء الرحلة بالميكرو تشعر بالعديد من الفرامل الفجائية فتجد نفسك تترنح و لا تدري أذلك من هذه الفرامل اللعينة أم من صوت الموسيقا التي تصدح عالياً من الراديو الأمامي. بعض سائقي الميكرو يحب الاستماع لأغاني الكاسيت ، و بعضهم يحب الاستماع للبرامج الأخرى في الراديو وآخرون يستمعون للمحاضرات، لذلك ترى الراكب المتمرس يضع سماعاته بأذنيه ويختار كرسياً قرب النافذة ليتأمل المارة. العلاقة الدافئة بين الركاب تتعدى المقاعد المتقاربة، ومشاركة من بجوارك قراءة جريدته ، عندما تأخذ القطع النقدية الحديدية من الراكب الذي خلفك بعد أن جمعها ممن خلفه وترسلها إلى الذي أمامك وصولا للسائق في نهاية المطاف. عندها تصبح العلاقة شخصية فتتأكد من أن الراكب الذي بجوارك قد استرجع ماتبقى له من مبلغ، كما وتذكر من لم يدفع بعد بالدفع. لا أعلم إن كانت رحلات المكيرو في سوريا قد تغيرت بعض الشيء مذ كنت هناك. أعرف أن السوريين لازالو يعتمدونه كوسيلة نقل أساسية. ولربما الآن و بدل أن يتبادل السوريون أحاديث عن الطقس، ربما يتبادلون اليوم التمنيات بالسلامة، و توخي الحذر في هذه الظروف الصعبة
Image: Christophe, via Creative Commons