بعد تسعة أشهر من العناء وعند أول صرخةٍ منها، يوضع ذاك الإبريق الكبير على النار. هي عادة أجدادنا في مدينتي بصرى الشام في محافظة درعا؛ حين يرزق البيت مولوداً جديداً، نقدم للضيوف فنجاناً مليئاً بالقرفة والجوز البلدي
فنجانٌ يتم تحضير مكوناته قبل أشهرٍ من الولادة يقطف الجوز من الأشجار ويكسر وينظف. وتغلى أعواد القرفة في الإبريق الكبير ويضاف إليها الزنجبيل وتغلى طويلاً لتملئ أرجاء الحي برائحتها. رائحة القرفة كالأذان تعلن قدوم مولود جديدٍ إلى دارنا. وتعشش في أنف كل ساكنٍ في البيت لأسابيع مولودنا الأولى. وتمضغ أفواه ضيوفنا الجوز المنقوع بالقرفة المحلاة وهي تداعب المولود ليضحك. متعةُ فنجان القرفة لا تكتمل إلا بابتسامة مولودنا الاولى
مذاق القرفة في وطني يجتاح كل قوانين الكون لاسعادنا، وتعديل مزاجنا. وها أنا اليوم أرتشف سكراً مذاباً بفنجان قرفة علني أعود لامتلاك تلك المتعة ذاتها. لكن أعواد القرفة تأبى إلا أن يكون لها روح وتأثير خاصٌ في وطني