أستيقظ باكرا كل صباح منطلقا الى عملي، أمشي على رصيف المشتل المكتظ بأناس ذاهبين الى أعمالهم، عندما أبدأ بسماع اللّغات المختلفة في حديثهم وتظهر لي اللوحات الطرقية والاعلانات المكتوبة بلغات متعددة وأرى الأزياء المختلفة والمتناقضة، عندها أصحو تماما و أتذكر انني في مدينة القامشلي.
البلد التي تعيش الحرب بدون حرب، المدينة التي يضيق الخناق عليها كل يوم والتي أصبحت ملاذا لجميع أبناء المحافظات السورية، ليقسم أهلها كسرة الخبز الصغيرة التي يأكلونها بينهم وبين يتامى وثكالى الحرب في سوريا .
كعادتي في طريقي الى العمل اتسائل عن بطل هذا اليوم، لتتصدر المشهد فتاة عشرينية صامتة تومي لي بإشارت خجولة بان لديها حلم، وجدت نفسي أنقاد وراءها مذهولا بالأوراق الملونة والخيوط وقصاصات القماش الصغيرة التي تحملها، تبدو وكأنها ملاك يغزل أحلاما ملونة على آلته البسيطة. أشارت لي باتجاه رجل بشوش الوجه مفعم بالمودة والرحمة، والدها، اقتربتُ منه و تعارفنا، فانبرى يسرد روايته: “لدي سبع بنات، لقد حُرمت من إكمال دراستي في الجامعة وأبيت إلا أن يدرسن جميعا ويتخرجن منها، ماعدا فتاتي الصغيرة هذه، حياة، انها “صماء” واكمل حديثه والحزن والحسرة يملآن قلبه؛ “يا بنيّ الناس لاترحم. تخيل أن أخي عيّرني وقال لي: “بنتك معاقة”.
نظرت إليها فنظرتْ إليّ بخجل معبّرةً عن فهم ما يرويه والدها لي. أعرف تماما مدى الحساسية وسرعة البديهة التي يتمتع بها الصم في قراءة لغة الجسد وتعابير الوجوه و فهم أحاسيس من حولهم.
انهم اسرة رائعة يفيض القلب مودة ورحمة عند الجلوس بين حيطانهم الدافئة وقلوبهم الرحيمة، تحدثنا كثيرا عن طفولة حياة ومواهبها، إنها فتاة رائعة تحوّل كل الاشياء التي تقع في يدها لمُنَمْنَمات تسرّ كل من ينظر إليها، ترسم وتخيط وتحيك الصوف وتصنع الالعاب وتهتم بنباتات الزينة. انها حقا تبعث البهجة في النفوس. لقد كان بيتهم أشبه بمعرض لابداعات حياة
قمت بتصوير أعمالها و في إحدى المنظمات الدولية اهتموا بقصة حياة وطلبوا مقابلتها، فرافقتهم الى منزلها المتواضع في حي الزيتونية.
لقد أُعجبوا كثيرا بأعمالها وآمنوا بموهبتها واتصلوا بها بعد يومين طالبين منها الحضور لعقد اتفاق معهم لمدة ثلاثة أشهر تقوم فيها بصناعة ألعاب للاطفال بالإضافة لشراء جميع اعمالها السابقة بأسعار ممتازة، لتقوم المنظمة فيما بعد بتوزيع الالعاب على الاطفال السوريين الوافدين الى مدينة القامشلي. ثم مدّد العقد لسنة كاملة.
لا أحد يستطيع تصور الفرحة في عيون حياة وفي عيون أسرتها، الفتاة التي لم تتمكن من إكمال دراستها أسوة بأخواتها أصبحت تعيلهم جميعا.
حياة ووالدها عبروا منذ أيام الحدود السورية باتجاه تركيا باحثين عمن يعيد السمع لأذنيها من جديد وإن بشكل جزئي بعد أن توفر لديهم المال الكافي لتلقي العلاج.
هي تبعث الحياة في كل شيء تراه وكل شيء تلمسه، حقا انها حياة
photos: captures from a video via YouTube with the title:
نوهات قصة نجاح فتاة صماء
by: Nidal Hammoud