لطالما تذمرت من دعوات أبي المتكررة لحمل مفاتيح البيت معي في كل مرة هممت بها بالخروج؛ “حقيبتي صغيرة،لاتتسع” كانت حجتي الدائمة للتهرب من حمل المفاتيح. وكثيراً ما تشاجرنا بسبب قرعي المتكرر على الباب وعدم استخدام مفاتيحي للدخول بدون إزعاج.
حقيقة لم أشعر يوماً أنني بحاجة لحملها، فأمي تتواجد في البيت بصورة مستمرة. حتى وإن خرجت، لم أكن لأمانع أبداً بوقت إضافي من التسكع بشوارع دمشق ريثما تعود وتفتح لي الباب. لم أكن أحب رنين المفاتيح في حقيبة يدي، وكنت أفضل وضع مرآة صغيرة عوضاً عنها في حقيبتي المزدحمة دائماً.
حين غادرت إلى عمّان مطلع 2013، فوجئت بالمفاتيح في الجيب الداخلي الصغير لحقيبتي.
“هل وضعهم أبي في حقيبتي دون أن أنتبه؟” سألت نفسي ضاحكة، ثم وبنفس عدم الاكتراث وبدون أي تفكير، وضعتهم جانباً فلا باب هنا يناسب مفاتيح “الشام” كما أصبحت أسميهم.
بعد أسبوع، خرجت لأول مرة وعند عودتي تحسست كعادتي في المصعد حقيبتي بحثاً عن المفاتيح إياها، لحظات مضت وأنا أبحث وأبحث لاستدرك بعد دقائق أن لامفاتيح لدي لهذا الباب الأسود الجديد الخالي من “سقاطة الباب” الذهبية المعتادة على أبواب البيوت الدمشقية.
مرت ثلاثة أعوام، وأنا أقيم في بيت لا أتكبد مشقة حمل مفاتيحه. لكنني بت أحمل دائماً مفاتيح “الشام”، صغيرة كانت حقيبتي أم كبيرة. لم يعد يزعجني رنينها داخل حقيبتي، على العكس، باتت تؤنس خطوات غربتي وتشعرني دائماً أن لي بيتاً ينتظر عودتي أو بالأصح أنتظر أنا العودة إليه.
أبي العزيز: لن أزعجك مجدداً بقرعي الصاخب على الباب، فقد أدركت الآن فقط معنى أن يكون لدي مفاتيح لبيت في الشام.
Image: Saria Samakie