أحيانا أتحاشى القول أنّني سوري، فقط لأتحاشى الكلام في الموضوع، لا أعتقد أنهم يفهمون ماذا يعني ذلك. ربما كانوا طيبين، لكنّهم يقاربون المسألة من منظور خاطئ. مثلاً عندما سألتني زميلة لي: “كيف عائلتك؟“
قلت لها: ” إنّهم بخير، ليس لديهم كهرباء، ولا ماء، و الطعام مكلف جداً. يحرقون الفحم في غرفة الجلوس للتدفئة”.
فإذا بها تشتكي من سخّانها المعطّل، كم كانت بائسةً حياتها و كم كانت تعاني مع السخان الكهربائي ريثما تمّ إصلاح سخّانها في اليوم التالي.
إن هذا مهين، حقّاً، عندما تقارن معاناتك كشخص يسكن في العالم الأوّل مع معناة القاطنين في مناطق الحروب من دولة في العالم الثّالث.
ذهبت لرؤية نسخة قوس النصر التّدمري عندما كانت معروضة في ساحة ترافالغار. كانت ثلثي حجم الأصل، في ساحة بهذه الضّخامة مع أبنية كبيرة، بدت جدا صغيرة. بالنسبة لصرح أثري عمره 2000 عام، بدت جديدة جدا و برّاقة، تماما كقطعة جبن.
كان هناك أناس بجانب القوس النسخة من جامعة أكسفورد، مهمتهم كانت الشرح عن المشروع و قيمته للزوّار.
قلت لهم أنني سوري فسألوني: “كيف تشعر حيال إعادة بناء صروحكم الأثرية من قبل أناس في الغرب؟”
برأيي الشخصي، كان السؤال مزعجاً جدّا. بدَوا كأنّهم قلّصوا كلّ مشاكل سوريا لموضوع تدمير قوس النصر من قبل داعش.
قلت لهم: “لا تفهموني خطأً، أقدّر حقّاً ما تفعلونه هنا و كيف أنكم تستخدمون هذه التقنيّة لإعادة بناء ما دُمّر. لكن هذه ليست المشكلة.
“آخر ما يفكّر به السوريون الآن هو إعادة إعمار هذه القوس. لديهم العديد من الأولويات الأهم كإطعام أولادهم و إيجاد مكان آمن يقضون ليلتهم فيه.
“بدا و كأن العالم كله يركّز في من يجب عليه إعادة بناء هذه القوس، و يتناسى كل المصائب التي تحصل هناك.”
الأسبوع الماضي، أصدقائي الإيطاليون سألوني: “هل تعود إلى سوريا إن توقف كل شيءٍ الآن؟” دائما أحاول تجنب الإجابة على هذا السؤال.
حتى الآن لا أشعر أنّه “المنزل” في لندن. و كأنك في رحلة، و كأنك تنزل في فندق لفترة قصيرة، ثم تنتقل لمكان آخر.
أعرف أناساً مستعدّين للعودة حالاً، في حال توقفت الحرب. لا زالوا يحلمون بسوريا كما كانت من خمس سنوات.
لكنني لا أرى حلّاً الآن، حتى لو توقف كل شيء للتوّ و اللّحظة؛ البلد كلّها مدمّرة، ليس فقط الأبنية إنّما أيضا المجتمع. لا يمكنك إصلاح ذلك فقط بإيقاف الحرب.
Featured Image: by Julia Rampen; first image: Garry Knight via Creative Commons; second image: Julia Rampen.