يقع مخيم النوري للاجئين بالقرب من الحدود التركية السورية في شمال غرب سوريا. تأسس عام 2020، يضم حوالي 100 عائلة. وبعد أقل ازدحامًا بكثير من مكان إقامة اللاجئين النموذجي، ينبعث من هذا المخيم جاذبية وهدوء . لكن ما يميز هذا المركز عن غيره هو طبيعة سكانه، حيث أن نسبة كبيرة منهم من المكفوفين أو ضعاف البصر.
ويدير المخيم أبو محمود البالغ من العمر 50 عاماً. مثل العديد من جيرانه، فقد محمود بصره عندما كان طفلاً. وهو يدير المركز كمجتمع متماسك، ويتواصل مع اللاجئين من الصغار إلى الكبار، ويعد أبو محمود بمثابة صديقهم المقرب.
ومن خلال تعاون وروح سكان المركز، يشارك اللاجئون ذوو الإعاقة وذوو الاحتياجات الخاصة على حد سواء في الأنشطة الاجتماعية اليومية. تجتمع العائلات للرقص ليلاً ولعب كرة القدم نهارًا. كما يضم المخيم سوقًا ومسجدًا وحديقة للعب الأطفال. في حالة مليئة بعدم الاستقرار إلى أجل غير مسمى، فإن المشاركة في مثل هذه الأنشطة الدنيوية تسمح للسكان بتجربة الشعور بالحياة الطبيعية ومشاركة لحظات النعيم والاسترخاء.
ولعل الجزء الأكثر روعة في هذا المجتمع الصغير هو المدرسة الابتدائية للمكفوفين وضعاف البصر، هنالك الكثير من المتطوعين يعملون في هذه المدرسة، ويدير هذه المدرسة وسام رحمون إمام في المسجد المحلي بالمخيم حيث– يقوم بتعليم الأطفال كيفية القراءة بطريقة برايل. ويتعلمون أيضًا التحدث باللغة الإنجليزية وإجراء الدراسات القرآنية.
وخارج المدرسة، يلعب الأطفال في الحديقة أو في الشوارع مثل الآخرين. هنالك عدد قليل جدًا من السيارات المارة. وبمساعدة المبصرين أفراد العائلة أو الأصدقاء، أصبحت معالم الطفولة مثل تعلم ركوب الدراجة ممكنة الآن لأطفال مثل يزن قسام. الذي يبلغ عمره عشر سنوات. ولد يزن أعمى ويعاني من صعوبة في السمع بنسبة 70%، وقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً لتعلم كيفية ركوب الدراجة. ومع ذلك، منذ الانتقال إلى مخيمً النوري تمكن من ركوب دراجته في شوارع المخيم، بوجه مشرق وسعيد.
يجد سكان المركز أنفسهم هنا لعدد من الأسباب. كثيرون ولدوا بلا بصر، مثل يزن. وقد أصيب عدد منهم بالعمى نتيجة للحرب الأهلية. أحد هذه الحالات هو أحمد الحامد – وهو أحد جرحى الحرب الذين أصيبوا بالعمى التام نتيجة غارة جوية في عام 2016، ونزح عدة مرات قبل أن يستقر.آلنوري العام الماضي.
ويصاب آخرون بالعمى في وقت لاحق بسبب أمراض وراثية، بما في ذلك سحر – زوجة وأم تتفاقم حالتها الصحية تدريجياً بسبب عدم قدرتها على تحمل تكاليف العلاج.
على الرغم من أنها علمت أن الحمل قد يؤدي إلى تدهور بصرها، إلا أن سحر أرادت بشدة أن تصبح أماً. وتقوم الآن بتربية ابنتها رينا البالغة من العمر عامين مع زوجها الكفيف أيمن. احتاج الزوجان إلى آخرين ليصفوا لهم كيف تبدو ابنتهم، وللتأكيد على أن رينا الصغيرة قادرة بالفعل على الرؤية.
تستخدم سحر حواسها الأخرى، وهي الشم واللمس، لطهي الطعام لعائلتها. على الرغم من أن كل عائلة في المركز تحصل على حوالي 70 يورو شهريًا لتوفير الاحتياجات الأساسية، فقد اختار أيمن العمل كعامل ماهر في المخيم. وهو يعتمد على حاسة اللمس، من خلال أصابعه أو لسانه، لاستشعار المجال المغناطيسي للإلكترونيات المعطلة، وإصلاح أي شيء من مكبرات الصوت إلى الغسالات.
كما ينشغل أيمن أيضًا عبر قناته على اليوتيوب. وبمساعدة سكان المخيم الآخرين، يقوم بتسجيل مقاطع فيديو لتقديم النصائح والمعلومات حول العمى. يتضمن محتواه دروسًا حول كيفية استخدام تطبيقات الهاتف المختلفة كشخص أعمى، بالإضافة إلى مقاطع فيديو لنشر الوعي حول كيفية تفاعل الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية بشكل أفضل مع الأشخاص ضعاف البصر.
مع وجود عائق واحد أكثر من اللاجئ العادي،النوري ملتزمة بجعل سكانها ذوي الإعاقة أكثر استقلالية. وقد تم تصميم المخيم خصيصًا لتلبية احتياجات المقيمين فيه. الشوارع فسيحة وتصطف على جانبيها أكواخ مبنية من الطوب بدلاً من الخيام المزدحمة. تشتمل الجدران خارج كل منزل على لافتات بطريقة برايل ومزينة بأنماط ثلاثية الأبعاد فريدة من نوعها، مما يسمح للمارة بتتبع أصابعهم والتعرف على مكان وجودهم. وهذا يسهل على المكفوفين زيارة أحد الجيران، أو التوجه إلى السوق، أو إيجاد طريقهم إلى المنزل.
كما تم أخذ التصميم الداخلي بعين الاعتبار؛ يتم تصميم بلاط الأرضيات داخل المنازل بشكل مختلف لتوجيه المكفوفين من غرفة إلى أخرى من خلال أخمص أقدامهم. هذه الاعتبارات البسيطة، التي غالبًا ما يتم تجاهلها، تخلق فرقًا كبيرًا، مما يسهل على المكفوفين التنقل في المخيم بأنفسهم والاعتماد بشكل أقل على الآخرين.
يشرح الإمام رحمون كيف يتوق المكفوفون السوريون إلى المساهمة في مجتمعهم وإعالة أسرهم. ويبلغ عدد سكان محافظة إدلب المكفوفين( حيث يقع هذا المخيم بالقرب من محافظة إدلب ) حوالي 3000 شخص كفيف. عدد قليل من هؤلاء المكفوفين تمكن من الانتقال الى مخيم النوري . بينما يعيش الآخرون في الغالب في خيام في المناطق المحيطة، في ظل ظروف غالبًا ما تكون غير ملائمة لاحتياجاتهم.
لكن مخيم النوري يتوسع ببطء. وذلكً من خلال تمويل من جمعية خيرية كويتية، يتم بناء مرافق سكنية جديدة لاستيعاب المزيد من السوريين ضعاف البصر وعائلاتهم، الذين نأمل أن يستفيدوا من جهود المركز لتعزيز مساحة تكافؤ الفرص وتشجيع الاعتماد على الذات.
لمعرفة المزيد عن مخيم النوري للاجئين، شاهد ريبورتاج 2023 ARTEهنا.
المؤلف: نسرين يوسفي
المترجم: يبان لبابيدي