طلب مني أن أكتب عن ذكرياتي في حمص، المدينة التي وُلد فيها والداي، والتي كانت تعني لي سوريا لسنوات طويلة، والتي يا للأسف أصبحت فريسة لكل أنواع القسوة الإنسانية.
أول صورة خطرت في بالي، ليست خالية من مشاعر الحنين والألم المختلطة، كانت منزل أجدادي. فوق كل شيء، أتذكر السعادة والحماس اللذين كانا يملآن قلبي عندما أصل إلى باب المنزل، بعد عام طويل من الترقب. كان هذا الباب يمثل لي كل شيء. رائحة زهور الياسمين الساحرة التي كانت تزينه، والتي كان يعتني بها جدي بعناية، قد حفرت في ذاكرتي إلى الأبد. هذا المنزل استضاف جميع عطلات طفولتي الصيفية. منحني شيئاً لا يقدر بثمن – ذكريات لا يمكن لأحد أن يشوهها. غارقة في هذه الذكريات، أشعر بالحرية.
في كل صيف بعد انتهاء الفصل الدراسي، كنا نسافر إلى دمشق ومن هناك نذهب مباشرة إلى حمص بالحافلة. ليست أي حافلة، بل حافلة “الأهلية” المحلية الشهيرة، مع الشكولاتة الملفوفة بالورق الأحمر اللذيذة التي لا تُنسى.
حالما نصل، ينفتح الباب على كل شيء، على قصص متنوعة، مليئة بالألوان والمغامرات
كان المنزل في الواقع عبارة عن مبنى، حيث كنا نتجمع جميعاً في هذا الوقت من السنة. كل طفل قادم من الخارج مع عائلته كان لديه مكان في إحدى الشقق. جدتي كانت قد نجحت في تكوين فريق كرة قدم صغير (بما في ذلك الاحتياط!)، ومع إنجاب كل ابن لعدد من الأطفال، كان المنزل مزدحماً، كان أشبه بمدينة داخل مدينة.
كان أجدادي يسكنون في شقة الطابق الأول. كنا نجتمع هناك لوجبات الجمعة العائلية وبعد الأحداث الكبيرة. كان كل زفاف يتبعه حديث وضحك في غرفة المعيشة. كما كنا نجتمع لنتائج شهادة الثانوية العامة لكبار أبناء العم، والتي كانت مسألة حياة أو موت. لأن التعليم كان شيئاً مهماً جداً في العائلة.
كنا، أنا وأبناء اعمامي، ننظم أنفسنا في مجموعات. كل جيل كان لديه مجموعته الخاصة. ملعبنا كان السلالم، الحدائق، والشرفات. الأولاد كانوا يلعبون كرة القدم في حديقة الطابق الأرضي، والبنات كنّ يغنين ويرقصن في الشقة السفلية. الصغار كانوا يلعبون عند مدخل المبنى، سعداء وخاليين من الهموم.
لم يكن كل شيء وردياً، خاصة عندما كان الأولاد يكسرون النوافذ أو يتم الإمساك بهم وهم يلعبون على السطح ويواجهون جدي، لكن حتى هذه اللحظات كانت ممتعة.
القصص التي حدثت في هذا المنزل ربطتنا ببعضنا البعض، ومنحتنا أكثر من مجرد منزل. كان ملجأ كنا جميعاً نتطلع للعودة إليه.
كل هذه السعادة كانت لها جانب آخر، كان أهم شخص بالنسبة لي دائماً غائباً.
شخص يحب حمص كما لا يحبها أحد، ولكنه لم يستطع أن يلمس أرضها. شخص لا أستطيع شكره بما يكفي للسماح لي بجمع كل هذه الذكريات.
قطعة من الجنة بطعم مرير وحلو – هكذا أتذكر حمص، من خلال منزل أجدادي وبابه الذي يفتح على كل شيء.
ترجمة: إسراء حسام الملاحي