مبادرة فريدة وتحويلية أطلقها أهالي رقة تساعد أطفال المدينة على التعافي والتعبير عن أنفسهم من خلال الفنون.
بقلم: علي المعترود ،أسامة الذخيرة وعليا فواز
ترجمة: إسراء حسام الملاحي
كانت رقة، الواقعة في شمال وسط سوريا، تُعرف يومًا بسلة غذاء البلاد، بفضل وفرة محاصيلها التي ترويها مياه نهر الفرات القريب. إلا أن الدمار الذي خلفته الحرب أدى إلى تدمير 80% من المدينة بحلول عام 2017. فقد الآلاف منازلهم وتعرضوا للنزوح (غالبًا أكثر من مرة)، مما أثر بشدة على أطفال المدينة الذين توقفت مسيرتهم التعليمية أو انقطعت تمامًا. ورغم أن هذا الماضي القريب يرخي بظلاله القاتمة على أطفال الرقة، إلا أن المستقبل قد يحمل لهم قصة مختلفة. فاليوم، يلوح بصيص أمل بفضل مبادرة “شاشة الأمل” التي توفر الشفاء والفرح لأطفال الرقة.
سواء كانوا يشاهدون فيلم “علاء الدين”، أو يضحكون مع مستر بين، أو يستمتعون بمسرحيات تشارلي تشابلن الصامتة على الشاشة الكبيرة، فإن جميع الأفلام المعروضة في “شاشة الأمل” تشترك في هدف واحد: منح الأطفال فترة راحة يحتاجونها بشدة، وأخذهم في رحلة من الدهشة والهروب من الواقع.
يقول أسامة الثاخرة، مدير مشروع “شاشة الأمل” التابع لمنظمة “بالون” المدنية غير الحكومية وغير الربحية التي تأسست عام 2019. جميع الأفلام مدبلجة إلى العربية، ومحررة بعناية لتكون ملائمة ومناسبة ثقافيًا للأطفاال ويضيف أسامة أن الفريق يختار الأفلام بعناية، سواء كانت من الإنتاجات التجارية المعروفة أو الأعمال الأقل شهرة، لضمان أن تكون ذو محتوى هادف ومناسب .للأطفال والأمهات على حد سواء
يشرح أسامة: أراد فريق منظمة بالون في البداية إنشاء مشروع يساعد المجتمع على التعافي، ويوفر للأطفال وأمهاتهم مساحة آمنة للترفيه والتعبير. لذا، فكرنا في فكرة إبداعية خارج الصندوق لإحياء الحياة التي فقدت على مدار السنوات الماضية، ومن هنا وُلدت فكرة السينما الخارجية. كان هدفنا هو بناء السلام وتوفير التعافي من خلال السينما، واستخدامها كأداة لإعادة الإعمار والسلام المجتمعي.
في نوفمبر 2022، أقامت منظمة بالون أول عرض سينمائي لها في الرقة، وحقق نجاحًا فوريًا. وسرعان ما تعاونت المنظمة شاشات من أجل السلام (Les Écrans de la Paix) للحصول على الدعم الفني والمالي. واتفق الجانبان على تنظيم أربعة عروض سينمائية شهريًا في أربعة أحياء بالرقة: الفرات، الأندلس، تشرين، والمعمورة.
ريتاج، طفل في التاسعة من عمره، تعرض للنزوح المتكرر قبل أن يستقر أخيرًا مع عائلته في مخيم عدنانية بالرقة. كان ريتاج شديد الخجل والانطواء عندما التقى به فريق منظمة بالون لأول مرة. دفع قلق والدته على حالته النفسية إلى اصطحابه لحضور أحد عروض “شاشة الأمل”. يتذكر أسامة قائلًا:
كان ريتاج يجلس وحده في زاوية، يتابع كل ما يحدث لكنه لا يتفاعل مع أحد ويشير إلى أن هذا السلوك شائع بين الأطفال الجدد الذين يحضرون لأول مرة. أما اليوم، فقد أصبح ريتاج يحضر عروض السينما بروح مليئة بالثقة، ويتحدث بسعادة مع المشرفين والأطفال الآخرين.
تُقام جميع عروض “شاشة الأمل” في الهواء الطلق، حيث يتم عرض الأفلام على شاشة كبيرة مصممة خصيصًا لذلك. قبل بدء العرض، يشارك الأطفال في ألعاب تعليمية وأنشطة جماعية مثل الغناء والرقص مع فريق منظمة بالون، مما يساعد على كسر الحواجز ويجعلهم يشعرون بالراحة والانتماء. كما يوجد فريق دعم نفسي جاهز لتقديم المساعدة للأطفال والأمهات عند الحاجة.
بعد انتهاء الفيلم، والذي يستمر عادة لمدة 45 إلى 50 دقيقة، يجلس الفريق مع الأطفال لمناقشة الفيلم وسماع آرائهم. يصف .أسامة هذه اللحظات بأنها حوارات نابضة بالحياة، مليئة بالتعليقات الشيقة والأسئلة الفضولية من الأطفال
و يقول أسامة: الأطفال فضوليون جدًا ويرغبون في معرفة الكثير. نلاحظ أن العديد منهم لم يتلقوا أي تعليم رسمي، ولذلك نحرص على أن تكون الأفلام مدبلجة صوتيًا بالإضافة إلى وضع الترجمة، حتى يتمكن كل من الأطفال والأمهات الذين لا يستطيعون القراءة من الاستمتاع بالفيلم وفهمه.
و تسعى منظمة بالون إلى الوصول إلى جميع الأطفال والمجتمعات المتضررة من النزاع، مع تركيز خاص على الأحياء والمخيمات الأكثر تهميشًا والمعرضة للصدمات النفسية. يشمل ذلك 52 مخيمًا غير رسمي حاليًا في الرقة. وعلى الرغم من أن تغطية جميع هذه المخيمات تتطلب وقتًا أطول وميزانية أكبر، فإن المنظمة تمكنت حتى الآن من توسيع نطاق عروض “شاشة الأمل” لتشمل مخيمي العدنانية وسهلة البنات. وخلال الأشهر الستة الماضية فقط، تمكنت المنظمة من تنظيم 92 عرضًا سينمائيًا، استفاد منها حوالي 10,000 طفل.
فقد تعد مبادرة “شاشة الأمل” دليلًا حيًا على الدور الحيوي الذي تلعبه الفنون في تعافي وتطوير المجتمعات المتضررة من النزاعات، من خلال توفير مساحة للتعبير، والتعافي، والمصالحة. نأمل أن تستمر هذه المهمة الرائعة في النمو، لتزرع المزيد من .البسمات على وجوه أطفال الرقة