لقد مرت أكثر من عشر سنوات منذ أن اضطر أحمد وعائلته إلى الفرار من سوريا – حيث كان يبلغ من العمر حينها 12 عامًا. رحل أحمد، الأخ الأوسط من بين ثلاثة أشقاء، هو وعائلته في عام 2011 إلى مقاطعة هاتاي في جنوب تركيا، عبر الحدود المحاذية لسوريا. وذلك هو المكان الذي عاشوا فيه منذ ذلك الحين.
مثل العديد غيرهم من النازحين السوريين، واجه أحمد وعائلته فترات عصيبة محاولين التكيف مع بلد جديد – فقد عانوا صعوبة من حيث اختلاف اللغة، والعزلة فلم يعرفوا أحداً، بالإضافة إلى عدم درايتهم بالمنطقة. كان أحمد يأمل في دراسة الطب بالجامعة قبل مغادرته سوريا، حيث كان طالبًا مجتهدا، وكانت درجاته ممتازة. ولكن كانت الحرب التي حطمت هذه الآمال.
عائلتي تركية من أصول عربية، لذلك نحن نتحدث اللغة العربية، وقد تمكنّا من مساعدة العديد من العائلات السورية الفارة عبر الحدود إلى مقاطعة هاتاي، التي أعيش بها. غالبًا ما تصل العائلات السورية إلى تركيا لا يمتلكون سوى الأشياء البسيطة التي تمكنوا من حملها معهم عند فرارهم. كانت والدتي تجمع الأغطية الإضافية والأثاث والأواني والأطباق والملابس الخاصة بنا، ثم نقدمها إلى تلك العائلات السورية، ومنهم عائلة أحمد. وأخيرا عقب كل هذا العناء، أصبح أحمد وعائلته أكثر استقرارًا، وأصبحت عائلتنا خلال تلك الفترة متقاربتين جدًا.
يبلغ أحمد من العمر حاليا 22 عامًا، وأعلن خطوبته في الصيف الماضي بشابة سورية. عادة ما تقيم العائلات السورية حفلات ضخمة في مناسبات الخطوبة والأعراس، يدعون إليها غالبًا مئات الأقارب والأصدقاء، بالإضافة إلى الموسيقى والرقص. أحمد من عائلة كبيرة – حيث أن والدته واحدة من بين تسعة أطفال، ووالده أيضا واحدُ من بين خمسة، وهناك العديد من أبناء عمومته. ولكنها الحرب التي شتّت أعمام أحمد وعمّاته وأخواله وخالاته وأبناء عمومته في العديد من البلدان، فلا يعيش بالقرب منهم في تركيا سوى اثنتان فقط من عماته وعائلاتهم.
خلال فترة الإعداد لحفل الخطوبة، اتصلت بي والدة أحمد لدعوتي للاحتفال معهم. وأخبرتني أن أحمد سيكون سعيدًا للغاية إذا كان بإمكاني تلبية الدعوة لأنه يعتبرني فردًا من أفراد أُسرته. لقد قال لوالدته، “سأكون سعيدًا جدًا إذا حضرت العمة سارة إلى الحفلة – إنها بالنسبة لنا أحد أقاربنا. أرجوكي يا أمي، قولي لها أن تأتي!” لقد تشرفت وتأثرت كثيراً بهذه الدعوة، فقد زرفت إلى عيني دموع الفرح. لذا عقدت عزمي على ألا تفوتني هذه الحفلة – فلابد أن أكون هناك بجوار أحمد وعائلته لمساعدتهم في الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة. عندما حضرت استُقبلت بكل اهتمام وترحيب، وكان ذلك مفاجأة مُدهشة بالنسبة لي لأنني لم أدرك أنني لمست حياتهم بهذه الطريقة.
لقد عقدت الخطوبة في احتفال بسيط، حيث ضم فقط ثلاث شابات وخمس نساءٍ أكبر سناً، معظمهم من العمات وبنات الأخوة والجيران. تعيش معظم نساء عائلة أحمد بعيدًا جدًا عنهم، لذا كان من الصعب عليهم حضور الحفل. عندما وصلت إلى هناك وجدتهم يديرون الموسيقى، ويقدمون البقلاوة والكعك الحلو، لكن لم يكن أحد يرقص. ربما كان الرقص محرجا بالنسبة لهم لأنهم كانوا مجموعة صغيرة،. عندما دخلت الغرفة التي كانت فيها الخطيبة، دعوت اثنتين من الشابات للرقص معي، مما ساعد على إضفاء جو من البهجة للجميع. لقد عرفتهم أيضًا بأغنيٍة تركية جديدة حية (تسمى إريك دالي من تأليف عمر فاروق بستان)، والتي أعجبت الجميع.
على غرار التقليد السوري، وصل الخطيب ووالده في وقت لاحق من المساء إلى الحفلة لحضور مراسم “تبادل الخواتم”. ربط شريط أحمر خواتم الخطوبة ببعضها البعض، ووضعت الخواتم في الأصبع الرابع لكلا المخطوبين. تلى ذلك العديد من الدعوات لهما، ثم قطع والد الخطيب الشريط وأعلن خطوبتهما رسميًا.
كانت أمسية ممتعة حقًا – لقد قضينا جميعًا وقتًا رائعًا. قالت عائلة أحمد إنها المرة الأولى لدخول الفرحة قلوبهم، وشعورهم بسعادة الضحك والاستمتاع مع أحبائهم. بعد عشر سنوات منذ مغادرتهم سوريا، يشعرون أخيرًا وكأن تركيا وطنهم.
طلب أحمد من والدته، في اليوم التالي، أن تبلغني بأنه يشكرني من صميم قلبه، وهذا جعلني أشعر بسعادة بالغة.
🌿