كيف بدأت الكتابة عندما كنت في سوريا؟
قبل الجامعة كانت محاولات صبيانية كأي مراهق يرغب في أن يكون شاعراً أو قاصاً لكن عندما قررت أن أبدأ حياتي الجامعية بدراسة فرع علمي “الرياضيات” لأجل الكتابة! حيث كانت فكرتي أن أقوم بدراسة تخصص علمي كركيزة لحياتي المعرفية وبالتوازي مع ذلك أن أقوم بالقراءة والتعمق في الاختصاصات الأدبية. وكان هذا الخيار صعب جداً لكنني أنظر إليه الآن كذكرى جميلة رغم ما تبعها من ضغوط. بعد ذلك بدأت بكتابة القصة والنشر في الصحف السورية والمشاركة في بعض النشاطات وطباعة مجموعتي القصصية الأولى عندما كنت في الواحدة والعشرين من عمري – هذا الرخام تشقق – وكنت أكتب الشعر العمودي
هذا مقطع منه
ويعتمل الضجيج بجب روحٍ
تزملت السهاد لمن تتوقُ
فأزلفت البحار تلم حبواً
خطى الغيَّاب إذ بعُد الطريق
وجيب الريح في روحي تعالى
تسامقت الجروح بما أريق
فغمر طيوفهم تخصيب عصفٍ
وعفو طيوفهم مالا أطيق
وأنأى بالأديم عن الأنام
وفي صدري أقطّره الشهيق
أعتق أضلعي بالبرد حتى
تعانقهم فتنجدل العروقُ
بعد خروجي الأول من سوريا إلى الأردن أثناء الثورة بدأت تجربة جديدة مع كل التغيرات الخارجية والداخلية، وبدأت مشروع موازي لمشروعي الأدبي بتأسيس منصة لتسجيل النصوص الأدبية العربية والمترجمة باحترافية صقلت مع الوقت من خلال تدريبات الصوت ودورات برامج المكساج وانشاء استوديو خاص للتسجيل في منزلي. هذه المنصة على ساوند كلاود أصبحت مشروع رئيسي بعد ملاحظتي أن الكثير من الشباب غير القارئ أصبح يتجه لقراءة الكتّاب الذي أسجل من أعمالهم، مع محاولتي إلى تنويع المحتوى والابتعاد عن المشهور والمبتذل لتقديم محتوى مختلف، هذا المشروع تبعه مشاريع موازية كعمل انطلوجيا صوتية لمؤسستين ثقافيتين في الوطن العربي والشراكة مع موقع ألماني لنشر بعض التسجيلات العربية. وصلنا في القناة إلى أكثر من 5.6 مليون استماع بمعدل 5000 استماع يومي كما أن متبعي القناة وصل عددهم إلى 30 ألف متابع من مختلف أرجاع العالم.
رابط القناة
في الأردن طبعت ديواني الأول “مذاق باب شرقي” وبدأت بعد ذلك التريث في النشر لأنني شعرت أنني بحاجة إلى تغييرات جذرية في الكتابة لدي من حيث البنية والرؤية والشكل. وهذا ما كنت أعمل عليه خلال السنين الأربع الماضية
انتقلت إلى ألمانيا في عام ٢٠١٧ بمنحة اقامة أدبية من مؤسسة هاينرش بول وأقمت في منزل هاينرش بول قرابة العام. عملت خلالها على عرض الأداء push الشرح في سؤال منفصل
وعلى كتاب “نخال الخطى” بدعم من مؤسسة اتجاهات حول الكتاب
نخال الخطى (دار ممدوح عدوان) من إعداد وتقديم أحمد قطليش، كتاب ورقي ومسموع يرصد بعض التغيرات في الشعر السوري بعد مرحلة من الركود قبل الثورة، إلى مرحلة من التخبط مع تسارع التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية التي بدأتها الثورة، واستمرت في التسارع مع منحنيات جديدة كالحرب واللجوء والأماكن الجديدة للشعراء، بالإضافة إلى العلاقة المتوترة ما بين شعراء الخارج والداخل.
يجمع هذا الكتاب نصوصًا مختارة لواحدٍ وعشرين شاعرًا وشاعرة كانت لهم تجربتهم في سوريا، وتوزعوا بعد ذلك في المنافي سواء في العالم العربي أو خارجه، كألمانيا التي تجمع عددًا كبيرًا من الشعراء والفنانين السوريين
“في هذه المختارات أحاول تقديم صورة عن التجربة الشعرية السورية في الخارج واعيًا تنوع أساليب الشعراء وثقافاتهم وتجاربهم وأعمارهم، في محاولة لعكس صورة واقع الشعر السوري في المنافي دون الخوض في تقييمه، وإنما تقديمه شاهدًا على التغيرات الشعرية المتوازية مع التغيرات على الأرض والتي لا تزال لم تأخذ معالم واضحة، لكنها تبرهن على محاولات فاعلة لأخذ الشعر السوري إلى منحنيات أخرى، لا بدّ وأنها ستؤدي إلى أماكن جديدة في الكتابة السورية
الكتاب مرفق بنسخة صوتية لقصائد الشعراء المختارين
ما هو مصدر الهامك ومن هم الفنانين الذين يمكنك أن تسميهم مؤثرين في ممارستك الفنية؟
هذا سؤال صعب في الكتابة لأنه مع مرور الوقت وتغير التجربة الفنية مع القراءة والكتابة والتفاعل، تتغير رؤيتنا للكتاب والفنانين الذين كنت نحبهم. فالتأثير دائماً هو تأثير وقتي حتى تتجاوزهم لفنانين آخرين. أما الإلهام فهو التجربة الحياتية بكل تعقيداتها وبساطتها، التغيرات مع الثورة والهجرة والتنقل وما رافقه من خسارة علاقات وعمل وبدايات جديدة في كل مرحلة، كل ذلك هو مخزون يحيلنا إلى كتابة جديدة، ليس بالضرورة أن تكون أفضل لكنها جديدة
كمحترف إبداعي وفنان مقيم الآن في أوروبا ، بيئة تنافسية للغاية ، كيف يمكنك أن تنافس في هذه البيئة كفنان؟
في الكتابة لا أرى الموضوع تنافسي من حيث القيمة على الاطلاق بل من حيث القدرة على التسويق أو تنافس على الفرص. وهو أمر غير صحي على الإطلاق لأنه مرتبط بالتغيرات السياسية وقضايا اللجوء ومهما حاولت أن تكون تجربتك خارج هذا التصنيف فإنها لا بد وأن تضعك في دوائرها مرة أخرى، لأنك أحد هؤلاء الكتاب وتجربتك ستجعل من نصوصك لأن توسم بأنها “كتابة لاجئين” أو صعود على القضية دون وجود تجربة فنية حقيقية. وهو سؤال مشروع مع وجود مؤسسات عديدة وتمويل كبير لقضايا اللجوء والاندماج كما يقول سركون بولص “بعد كل مقتلة يجري تزيين الجثة، كل نظرية، كل أٍسلوب في الرؤيا تخرج إلى الملأ، يتسلمها متعهدوا الثقافة، ليتم تحنيطها وعرضها على شكل أبحاث يكتبها المختصون” لكنه أيضاً ظالم بسبب حرمانك من أن تكون تجربتك هي تجربة في إطار تطورها الطبيعي لتحاكم على أسس أخرى بعيداً عن الجانب الإبداتي. إلى أن هذه الموجة ستنتنهي مثلها مثل موجات أخرى كما حدث بعد حرب العراق لتعود النظرة إلى الأدب إلى مشاكلها الأخرى بعيداً عن تلك الأحكا
كيف أثرت الحياة في بلد مثل ألمانيا على ممارستك الفنية ، اجتماعيًا وثقافيًا؟
التأثير كان كبير، اللغة الجديدة وحدها أعادتني إلى الصفر لأكون في كل مكان ذلك الطفل الخجل الذي لا يعرف ما يحدث حوله وعليه أن يبتسم بوجه الجميع، تلك الدهشة التي تعود إلى الأماكن الجديدة خاصة أنني عشت قرابة العام في بيت هاينرش بول الملاصق لغابة، العيش في الكوخ أفكار الخوف والأشباح تعود من أماكن لا أعرفها.. لكنها أشباح بأصوات جديدة مرتبطة بتخوفات طريق العودة المغلق وطريق الغد الضبابي. الخوف الذي يجعلك تتألم للعشب المتجمد الذي يصدر صوت تكسّر رقيق من خطوتك. وبعيدًا عن شعرية التصور فإن تلك الحساسة كان تعني أنك ستعيد سماع كل ذاكرة ما يحدث في سوريا من جديد. ومن ثم الانتقال لحياة جديدة كلاجئ هنا! أستحضر هنا ما قاله الروائي ألفريد دوبلن – دون محاولة مقاربة التجربة الإبداعية إنما الإنسانية – عندما اتهم كاتبٌ بقي في ألمانيا خلال سنوات الحكم النازي من غادروا بأنهم يستمتعون بـ”كنبات وكراسي الهجرة الوثيرة” ردّ دوبلن: “أن ترحل من بلدٍ إلى آخر – أن تفقد كل ما تعرفه، كل ما كان قد غذّاك، أن تكون في ارتحالٍ دائم وأن تعيش لسنواتٍ كمتسولٍ فيما أنت لا تزال قويًا، ولكنك تعيش في المنفى – هذا ما تبدو عليه كنبت وكرسيي في المنفى
بوش هو عرض أداء مشترك بيني وبين الفنانة الألمانية تشالوت تريبوس، حيث حاولنا دمج اللغة بالأداء، من خلال نص شعري / قصصي يتوازى مع أداء تشارلوت مع التراب وتفكيكه بعد أداء حركي مشترك، وأن يكون الصوت العربي خلال الأداء الموسيقى لهذا العرض إيمانًا بأن موسيقى اللغة العربية تتوازى مع معانيها. وفي شرح أكثر ، في عرض الأداء دفــــع، تشارلوت تريبوس وأحمد قطليش يقومان بإعادة تفكيك الإنسان، تفكيك المادة، تفكيك الأحاسيس، وتفكيك اللغة التي تعبر عنه
اللغة العربية هي الموسيقا العاكسة للداخل الإنساني من خلال الصوت، والأداء المشترك ما بين تشارلوت وأحمد يشكل التدافع نحو الداخل، ويحاول أداء تشارلوت مع التراب عكس الأفكار التي كونت الإنسان والمشاعر التي كونته، دفع الخوف إلى أقصاه وتفكيك المادة إلى حالة الخلق الأول
يعتبر مشروع بوش جزء من سلسلة من المواقف التي تستكشف بُنية الاحساس باستخدام تقنيات تعتمد على التصور متعدد الوسائط في التركيب الادائي. في مشروع بوش، يُعرض السؤال المحوري حول العلاقة بين تفاعل الانسان اواللغة على انه اداء متعدد التخصصات
كان العرض الأول في احتفالية المئة عام على ميلاد هاينرش بول في منزل هاينرش بول وهذا رابط للفيديو فيه بعض اللقطات من العرض
ما هي المشاريع القادمة لديك؟
أنا في شراكة الآن مع weiterschreiben حيث يتم ترجمة ونشر بعض نصوصي في الألمانية كما أنني قمت بعهم بعدة قراءات مدن مختلفة في ألمانيا كبرلين وميونخ وكولونيا. كما أنني قمت مؤخراً بورشات كتابة ابداعية لأطفال مختلفي الجنسيات، أحاول التركيز الآن على إنهاء كتابي الجديد وتطوير منصتي الأدبية الصوتية.
.