كتابة: هاري بدوان
ترجمة: اسراء حسام الملاحي
لم أكن متأكدًا إذا كانت مقابلتي مع عمر ستتم، حيث ذكرني مرور ثلاثين دقيقة على الموعد المحدد بذلك يوقظني. وبينما كنت أفكر في إعادة جدولة اللقاء، تلقيت رسالة من وسيطنا تحمل أخبارًا جيدة: عمر كان جاهزًا للتحدث. وهكذا، اتصلت برقمه دون أن أعلم ماذا أتوقع.
كانت لدي بعض التفاصيل عن عمر قبل مكالمتنا: شاب من دير الزور في سوريا، يعيش الآن كلاجئ في مدينة أورفا التركية، حيث أدت الظروف المالية غير المستقرة إلى انقطاع دراسته في مجال الهندسة الصناعية. انقطاع كان عمر يسعى لمعالجته من خلال التقديم إلى جامعة في هانوفر بألمانيا. وغالبًا ما تكون هذه التفاصيل الدقيقة في قصص اللاجئين هي التي تضيع وسط العناوين الجافة والإحصائيات الحكومية.
عندما اتصلت به عبر تطبيق واتساب، تمكنت أخيرًا من وضع وجه للاسم. كان عمر شابًا سوريًا في العشرين من عمره، ذو وجنتين دائريتين مبتسمتين، وعيون داكنة، ولحية وقصة شعر قصيرة بلون بني غامق.
بينما كان يعتذر عن تأخره، أوضح لي أن طبيعة عمله (في تحميل وتفريغ البضائع في سوق للخضار) تجعله يعود إلى المنزل في وقت متأخر. يقول: “أستيقظ في الساعة السادسة صباحًا أصلي ثم أرتدي ملابسي وأذهب للعمل في الثامنة صباحًا ثم أعود في التاسعة أو العاشرة مساءً.”
عندما يعود عمر إلى المنزل، لا يكون لديه الكثير من الوقت. وما يتوفر لديه من وقت فراغ يقضيه في قراءة القرآن الكريم وتمرس اللغة الألمانية. أشرت إلى أن أيامه تبدو طويلة، لكن عمر لم يكن منشغلًا بما إذا كان عمله مرهقًا—بل كان مهتمًا بشيء آخر: رتابته.
“إنها حياة مملة”، قال لي شعرت بالحماس ينسحب من صوته وأضاف بحماس: “أحب الدراسة”، ثم تابع بسرعة: “لكنني لا أشعر أنني بخير في الوقت الحالي لأنني لا أدرس.”
هذا هو المأزق الذي يجد عمر نفسه فيه. أراد شيئًا مختلفًا، لكن متطلبات وضعه أجبرته على التصرف بدافع الضرورة. أخوات عمر الثلاث غير قادرات على العمل بسبب التحديات التي تواجهه لاجئات في تركيا لذلك يبقين في المنزل ويساعدن والدته في الاعتناء بالبيت، أما شقيقه الأصغر وعمره لا يتجاوز 12 عامًا، ومع أن والد عمر قد سبقهم إلى ألمانيا، إلا أن أسرة عمر بأكملها تعتمد على راتبه من سوق الخضار ومن دخله يغطي جميع فواتير الخدمات، أو الإيجار، وتكاليف الطعام. هذا الاعتماد والاتكال يزيد من تعقيد حلم عمر في الدراسة بألمانيا؛ فهو لا يريد السفر الى المانيا الا اذا انضمت عائلته له.
كنت فضوليًا لمعرفة السبب وراء أن وضع أورفا أصبح غير قابل للاستمرار بالنسبة لعمر وعائلته. بعد كل شيء، قضى عمر تسع سنوات هناك منذ أن فرّت عائلته من الحرب، لقد نشأ مندمجًا في الثقافة التركية وكان يتحدث اللغة بطلاقة من جميع النواحي، كان قد استقر فما الذي تغير؟
عندما شرح لي عمر سبب شعوره بضرورة مغادرة تركيا، استند بشكل كبير إلى تجربته الشخصية مع معاملة اللاجئين هناك تحدث عن واقع، نعم، قضى فيه تسع سنوات وكان طليقًا في اللغة التركية. ولكن رغم ذلك، لم يكن يُعتبر مواطنًا تركيًا، ولن يكون كذلك أبدًا. إحدى الأمثلة التي ذكرها عمر كانت عن مجموعة من الأصدقاء السابقين الذين لم يعد على تواصل معهم. قال إنهم “قطعوا علاقتهم” به لأنه سوري. هذه التجارب أنهت طموح عمر في الحصول على الجنسية التركية. لم يعد يرى مستقبلاً هناك، ومن هنا نظر إلى ألمانيا.
ولكن إمكانية أن يكون لعمر مستقبل في هانوفر هي أيضًا موضع شك كبير لم يتلق عمر حتى الآن ردًا بشأن قبوله في الجامعة. بدء متماسكًا بشأن توقعاته: إذا لم يتم قبولهم هذا العام، فسيحاول مرة أخرى في العام القادم.
سألت عمر، في ظل كل هذه الشكوك حول المستقبل، ما الذي يجعله يستمر.
أجاب بابتسامة: “إذا كان لديك حل، فلا داعي للقلق.”