انتظار الأفضل ليس خيارًا لشيرين أتاسي، التي تركت وراءها مسيرة مهنية ناجحة للتعامل مع تحديات البنية التحتية التي يواجهها الفن السوري.
يهدف مهرجان الفنون والثقافة السورية في لندن إلى إظهار ثراء وتنوع الثقافة السورية على عكس المنظور المتداول عالميا عن سوريا، في هذ السياق ما لذي دفعك لاتخاذ خطوات لتغيير هذا التصور عن الفن السوري؟
كانت تلك الروايات عن الحرب والدمار والعنف هي التي دفعتنا إلى إطلاق مؤسسة الأتاسي، انه من المحزن أنه تم تقليص حياه السوريين الى تجربتهم خلال الحرب. من خلال مؤسسة أتاسي أردنا أن نظهر وجه اخر لسوريا بعيدا عما يتم تداوله اليوم في وسائل الاعلام حيث تم اختزال سوريا العريقة كبلد مصدرة للاجئين. عليك أن تتذكر أن سوريا كانت دولة معزولة بشكل لا يصدق – اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا وعلى كل المستويات – لذلك لم يكن الناس يعرفون الكثير عنها. تعد مؤسسات الفن والثقافة مفتاحًا لتغيير الآراء والأحكام العامة، ولتثقيف وخلق روايات مضادة. الفن والثقافة هما حقًا الإسمنت الذي يجمعنا جميعًا.
كيف تستجيب مؤسسة أتاسي للتحديات التي تواجهها البنية التحتية للفنون والثقافة السورية حاليًا؟
لم تكن البنية التحتية الثقافية في سوريا متينة، حتى قبل الحرب. لكي تزدهر الثقافة، يجب أن يكون لديك مؤسسات، تحتاج إلى متاحف، وصالات عرض، تحتاج أن يكون لديك فنانون ونقاد وكتاب علاوة على ذلك، فأنت بحاجة أيضًا إلى جمهور. تاريخيًا وحتى اليوم، هذه الشروط مفقودة في سوريا. لا توجد مؤسسة أو فرد
واحد يمكنه سد كل هذه الثغرات.
في مؤسسة أتاسي، أدركنا وجود فجوة كبيرة في مجالات التوزيع والتحليل والتفسير والتوثيق للفن الحديث والمعاصر، وهنا جاء دورنا. إن معارضنا ومنشوراتنا وأرشيفنا مكملة لبعضها البعض، وهي موجهة نحو خلق المعرفة بالفن السوري. أقمنا عدة معارض في دبي وكانت ناجحة للغاية لأن الناس لا يعرفون الكثير عن الفن السوري، باستثناء القليل من الفنانين المعاصرين الذين ظهروا في المزادات بالإضافة الى بعض الأسماء التي عرفت من خلال المعارض، لكن هناك الكثير من القصص التي لم يسمع بها أحد.
في خضم العنف والدمار في سوريا، ما أهمية الفنون والثقافة؟
يلعب الفن والثقافة دور مهم في مساعدة الأجيال القادمة على فهم التاريخ بكل أشكاله والتواصل معه. الفن (وأنا أتحدث عن الفن المرئي) هو لغة بصرية قادرة على ربط الناس بالماضي، الأعمال الفنية المرئية تحكي الكثير من الحكايات عن أي حقبة زمنية أنتجت فيها. لذ لك فان هذا الفن هو صلة وصل بين الماضي والحاضر، يجب أن نكون واعيين بهذا الدور.
فيما يتعلق بمستقبل الفن والثقافة في سوريا أود أن أضيف أن البنية التحتية الثقافية هي مقياس لما سنكون عليه فيما يتعلق بالإنتاج الثقافي. عندما أفكر في البنية التحتية المؤسسية اليوم، فإن الصورة المستقبلية ليست وردية. ماذا سيحدث للإنتاج الفني عندما لا يوجد سوى عدد قليل من المؤسسات التي تدعمه؟ ماذا سيحدث عندما لا يكتب أحد عن الفنانين أو عندما لا يرى أحد أعمالهم أو يشتري أعمالهم؟
يبدو أنك لست متفائلة كثيرا
أنا لست متفائلة، لكني لدي أمل! إذا لم نزرع البذور اليوم فلا يمكننا نحصد غدًا! إذا لم تكن مستعدًا اليوم، فأنت تقوم برد فعل غدا. وعندما تقوم برد الفعل فإنك تتخذ إجراءات قصيرة المدى. هذا هو سبب نهجنا في المؤسسة على المدى الطويل. لا نعرف أين ستكون الفنون والثقافة السورية في المستقبل لكننا نحاول تحضير المشهد لها. يرجع عدم تفاؤلي إلى حقيقة أنني لست مقتنعًة بأننا نزرع بذورًا كافية لتزدهر في المستقبل. لا يمكننا أن ننتظر ونأمل في الأفضل. إنه ليس خيارًا.
هل تعتقدين أن استقلاليتك كمؤسسة تسمح لك بالتفكير على المدى الطويل؟ لذلك أنت لا تفكرين في الإحصائيات والنتائج الفورية؟
بالتأكيد، الاستقلال مهم. أحد تحديات المشهد المؤسسي اليوم في المنطقة هو أن جميع المؤسسات الثقافية تتنافس على موارد محدودة من نفس المانحين. لكن الخطر يظهر نفسه عندما نعتمد بشكل مفرط على المانحين.
في مؤسستنا، الأرقام ليست أولويتنا، لأننا مستقلون تمامًا ولدينا الحرية المطلقة. لكن بالطبع هذه الحرية تلقي على عاتقنا مسؤولية أكبر وتحديات أكثر.
بالنسبة لفنانين المنفى – كيف يؤثر وجود الفنان في المنفى على قدرته على الوصول إلى الموارد اللازمة لصنع الفن؟
عندما تكون في سوريا تكون مقيدًا بشكل أكبر عندما يتعلق الأمر بالموارد. بالإضافة الى القيود المفروضة على حركة الأشخاص ورأس المال، أخبرني أحد النحاتين ذات مرة أنه لم يعد قادرًا على صنع المنحوتات لأن المسبك الوحيد المتبقي كان في بيروت. يواجه الفنانون في المنفى مجموعة مختلفة من التحديات. التحدي الرئيسي أمامهم ليس الوصول إلى الموارد، انما في التواصل والتفاعل مع الجمهور هناك في المنفى.
ماذا عن أماكن العمل؟ هل تتوفر بشكل كاف يجعل الفنانين يصلون الى حالة الالهام؟
هناك مؤسسات تقدم دعم في الإنتاج وتوفر الأستوديوهات. يمكن للكثير من الفنانين في المنفى الحصول على منح في المجتمعات المضيفة، بالإضافة الى امكانية العمل في الأستوديوهات المشتركة. لكن لديك آلاف وآلاف الفنانين ولديك عدد قليل من المؤسسات.
هناك فنانون ينتجون أعمالاً قوية ورائعة مثل حسن عبد الله، الذي ظهر على موقع قصتنا، لكنه مازال غير معروف كما يجب. إذن، ما الذي يمكن عمله لدعم الفنانين في هذه الحالة؟
يحاول الكثير من الفنانين البيع بمفردهم حيث من غير المرجح أن تغامر المعارض الفنية بخريج جديد. دور المنظمات غير الربحية هو منحهم الفرصة لعرض أعمالهم وتقديمها إلى جماهيرهم. وهنا يجب أن أضيف أنه من المهم جدًا أن يعرف الفنان من جمهوره.
في مؤسسة أتاسي ليس لدينا منح إنتاج ولا ندعم الفنانين ماديًا. يأتي دعمنا الرئيسي من خلال عرض أعمالهم وتسليط الضوء عليها في أحد إصداراتنا ومن خلال جمع أعمالهم. أعتقد أن هناك حاجة ماسة لمزيد من المؤسسات والمزيد من المساهمين في الفن والثقافة في سوريا.
يقول البعض إن الصراع السوري على مدى العقد الماضي خلق طاقة جديدة للفن والابتكار. هل تعتقدين أن هذا لا يزال مستمرا؟
نعم، ما زال مستمرا. ومع ذلك، أعتقد أن السنوات القادمة هي المفتاح، لأن المد آخذ في الاستقرار والظروف تتغير. مع الوباء، ابتعد التركيز الدولي عن الحرب السورية. سيكون العامين القادمين مهمان للغاية بمعنى أننا بحاجة إلى إيجاد مساحة لهذا الإنتاج الفني ليتقدم ويتطور. من المهم أن نكون على دراية بالمرحلة القادمة.
هل أثر الوباء على دعمك للفنانين؟
نوعا ما، هناك بالتأكيد حواجز أكثر من قبل، على سبيل المثال جمع الناس في ندوات وافتتاح معارض ولقاءات وتبادل الأفكار مع الآخرين أصبحت محدودة. لكن في نفس الوقت تم استبدال اللقاءات الشخصية باجتماعات افتراضية، لقد فتح الوباء أعيننا على حقيقة أننا يجب أن نكون مستعدين، وقادرين على الوصول إلى بعضنا البعض، على الرغم من المسافات.
كمؤسسة بدأنا في تنظيم المزادات خلال الوباء. لم نتمكن من تنظيم المعارض بسبب القيود والإغلاق، لذلك قررنا استبدال ذلك بالمزادات عبر الإنترنت. الآن ننظم هذه المزادات مرتين في السنة.
هل ترين أن توجه الفن للإنترنت للتكيف مع هذه الظروف – على سبيل المثال، لديك معرض Google للفنون والثقافة – له أي تأثير على مستقبل الفن؟
نعم، تعد Google Arts and Culture مبادرة عالمية من Google لتقديم الفنون والثقافة إلى العالم، وهي مبادرة رائعة. أعتقد أنه أمر مثير، لكنه لا يحل محل اللقاءات الشخصية. أنا أحب الأحداث واللقاءات التي تعقد وجها لوجه، وعندما تجلس مع شخص تتحدث معه، فأنت تتفاعل معه؛ إنه يعطي ديناميكية مختلفة تمامًا. لكنها قناة مهمة ولا يمكنك تجاهلها. توفر لك أمكانية اللقاء مع أشخاص لو كانوا بعيدين جغرافيا.
مقابلة بواسطة إيزابيل توماس