جبل الأربعين نبي
عشت عند سفح جبل قاسيون في الطبقة الوسطى. جلست في كثير من الأحيان على شرفتي وفكرت كم تبدو جميلة. كان فضولي دائمًا يقودني نحو الأحياء العشوائية حول الجبل، والتي تضيء في الليل متحديه النجوم. في الجزء العلوي، كان هناك مسجد صغير معزول. لقد اشتقت لزيارة المسجد. لكن هذا الحي أصبح “حي محفوف بالمخاطر”. استيقظت ذات يوم وارتديت ملابسي وانطلقت.
كنت في الثامنة عشرة من عمري عندما قررت ارتداء الحجاب. لبست حجابي وعباءتي التي كنت أحاول جاهده إبقاءها مغلقة.
كان يومًا حارًا حيث بدأت الصعود. تركت ورائي الأحياء الأمنه ودخلت سوق الشيخ محي الدين النابض بالحياة. اصطدمت بالباعة المتجولين الذين يبيعون كل شيء. لقد كانت حواسي مرهقة، هناك الكثير من الأشخاص يتحركون جيئة وذهابا، والباعة يصيحون والمشترين يفاوضون. رائحة الهوبوب الساخن، التوابل العطرية، العوامة المقلية والدراجات المتحركة كل هذا المشهد بتفاصيله سيطر على حواسي.
التفت ووجدت نفسي عند مدخل صانع الساعات. كان منهمكما بعمله، كان يبدو طاعنا بالسن حوالي مئة سنة. نظارته، كما لو كانت متصلة جراحيا، كانت ينظرعن كثب الى قطعة وكأنها قطعة من المتحف. تفحصني من خلال مقلة العين المكبرة.
“عمو كيف يمكنني الوصول إلى المسجد في الأعلى؟”
أجاب بنظرة من الفزع: “هل تقصدين جبل 40؟”
“نعم ، إذا كان هذا هو ما يطلق عليه؟”
ابتسم وأشار نحو زقاق. “حافظي على مسارك عندما تصلين الى مفترق طرق اسألي شخصا اخر.! “
نظرت إلى أعلى. كل ما استطعت رؤيته هو متاهة لا تشوبها شائبة، وأطباق الأقمار الصناعية، والكابلات المتشابكة، والحديد المموج، وشاحنات سوزوكي محملة بالناس والبضائع. لذا اخترقت طريقي عبر المنازل التي بدت وكأنها على وشك الانهيار. أصبحت الطرق ً أضيق كلما صعدت الى الأعلى، حتى أصبحت متاهة. لقد دلني الناس على وجهتي بدون أن أسالهم وكأن ثيابي التي دلت على طبقتي المتوسطة سألت السؤال بالنيابة عني. مررت بجانب الأطفال وهم يضحكون ويلعبون وبعضهم قام باللحاق بي وكأني عازف المزمار “بيد بيبر”. لم يكن هناك خطر؛ فقط الفقر
أخيرًا، أخرجت من هذه الغابة الحضرية ووجدت نفسي عند سفح درج متعرج. صعودا وهبوطا مع الشمس. ورائي، من الأسفل بكثير، امتدت هضبة دمشق. وقفت لالتقاط أنفاسي. وصلت لأخر درجه لأجد قدماي ملتصقه بالصخور، وعبايتي قذرة من الأرض. أخيرًا، وصلت إلى باب حديدي. طرقت الباب، فتح الشيخ..
ما الذي أتى بك أيتها الشابة؟!” كان لديه وجه لطيف. “لقد شاهدتك وأنت تصعدين. هل تعلمين أن اللصوص يختبئون في تلك الكهوف على طول الطريق! “لقد طلب مني أن أدخل. كانت رائحة البخور تعم المكان الهادئ. كانت غرف الصلاة مبطنة ببذخ بسجاد منسوج يدويًا، بينما كانت النوافذ تطل على دمشق. كان هناك شجرة عنيدة في فناء الجامع. الشرفة كانت مشمسه جدا. سألني: “أفترض أنك تريد جولة بعد ذلك؟” “اتبعيني.”
مشينا بعض الخطوات نحو باب خشبي كبير. فتحت على كهف مظلم، مضاءة جزئياً بواسطة لمبة وحيدة. كان المكان مخيفا حيثما تقول الأسطورة أن هنا قابيل قتل هابيل. تقول الأسطورة أيضا أن الجبل انشق في رعب ليكشف عن شكل يشبه الفم واللسان في الصخر، وفي القاع تجمع هناك بركة من الماء تتساقط منها قطرات وكأنها ودموع الحزن المتساقطة على الفظائع التي يمكن للبشر القيام بها.
ثم أخذني إلى أعلى الدرج، خارج الفناء، إلى درج رخامي مهترئ من الزمن وكأنه أصبح زحلوقة. يؤدي الدرج إلى غرفة للصلاة قديمة جدا. كان هناك 40 من المحاريب في الجدران – غرفة الأنبياء الأربعين التي تحمي المدينة. فجأة ركض طفلان في المسجد وكانا على وشك ايقاظ الأنبياء.
صرخ أطفال الشيخ: “بابا، لقد عدنا!” جلسنا في الشرفة لتناول الإفطار في وقت متأخر من الصباح. هناك، كنت أجلس مع رجل مقدس، جلست في مكان جلس فيه من قبلي ابن بطوطة وروى عنه في مذكراته. هناك تناولت البيض والخبز الساخن والطماطم الطازجة، وشربت الشاي الحلو بينما كان الشيخ يؤذن. حاولت ضبط .حجابي مرة أخرى وفكرت في مدى اختلاف ذلك الجو عن حياتي في إنجلترا. في تلك اللحظة فهمت لماذا اعتقد والدي أنه من المهم . أن أعرف دمشق