Image default
Home » الزعتري: رحلتك إلى مخيمي
ذكريات الأماكن

الزعتري: رحلتك إلى مخيمي

بقلم: أسماء راشد

يعتبر مخيم الزعتري للاجئين السوريين أحد أبرز المعالم الإنسانية في المملكة الأردنية الهاشمية، حيث يقع في محافظة المفرق. تأسس المخيم في 28 يونيو 2012، وكان من المقرر أن يستقبل عددًا محدودًا من العائلات السورية الهاربة من ويلات الحرب. ومع مرور الزمن، تحول المخيم إلى مجتمع يضم حوالي 80,000 نسمة وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، وما زال قائمًا حتى يومنا هذا في عام 2024. يفضل معظم سكان المخيم الاستمرار في العيش داخل الكرفانات بدلاً من العودة إلى سوريا، حيث يشعرون أن الظروف هناك لا تزال غير آمنة.

وعندما تنظر إلى تلك الصحراء القاحلة، سترى المخيم يمتد بمفرده في عرضها، وتبدأ في رؤية الكرفانات المتعددة، بعضها مهترئ وبعضها مرمم. يدفعك الفضول للتعرف على حياة الناس الذين يسكنون داخل هذه الكرفانات، ويتملّكك الحزن والألم لما آلت إليه أوضاعهم. 

عند الوصول إلى بوابة المخيم، والذي يعرف بــ “باب مخيم الزعتري”، ستجد بوابتين منفصلتين، واحدة للناس وأخرى مخصصة للشاحنات. يتواجد أفراد من الدرك الأردني عند البوابة، حيث يقومون بحفظ الأمن وتفتيش الداخلين والخارجين. ورغم رهبة التواصل مع العسكريين، فإن تجربتي في المخيم جعلتني أدرك أن الدرك الأردني يتعامل بلطف مع الناس، ويبذل جهوده لمساعدتهم. 

لدى سكان المخيم هويات أمنية خاصة بهم، ويجب عليهم استخراج تصريح للدخول والخروج، مما يسهل عليهم قضاء احتياجاتهم أو زيارة الأقارب. 

بعد تخطي حاجزين أمنيين، تبدأ خطواتك داخل “مخيم الصابرين”، وهو الاسم الذي أطلقته عليه بسبب ما رأيته من صبر وتحمل من قبل الناس الذين يعيشون فيه. ومع التطورات الحديثة، يبدو أن الحياة في المخيم قد أعادتنا إلى العصور القديمة حيث كان الفصل بين المخيم والعالم الخارجي واضح.

ينقسم المخيم إلى قطاعات وأحياء متعددة، وكل حي له اسمه. ستجد نفسك تتجول في “سوق الزعتري”، المعروف باسم “الشانزليزيه”، حيث يكتظ بالناس والسيارات. يذكرك هذا الشارع بشارع الشانزليزيه في باريس، لكن الأصوات هنا تختلف، إذ تسمع مناداة البائعين وأصوات العربات التقليدية. بالفعل عندما هاجرت إلى فرنسا وجدت أن هذا التشبيه في محله. بخلاف الأصوات المنتشرة ففي فرنسا تسمع صوت الصمت وضجيج المدينة. لكن في مخيم الزعتري تسمع أصوات البائعين الذين ينادون لجذب الزبائن إليهم. كذلك خبيط أقدام الدابة التي تقود تلك العربة (الطنبر) الذي هو الآن وسيلة النقل الوحيدة للناس بالإضافة للدراجة الهوائية. 

تصوير: محمد جراد

وستجذبك رائحة الفلافل الطازجة التي يتناولها سكان مخيم الزعتري بكثرة نظراً لأنها نوع طعام شعبي سوري يحبه الجميع الكبار والصغار. وبالتأكيد هناك أطعمة متنوعة تباع هناك مثل الشاورما والمشاوي والمعجنات بأنواعها. ولكن أثناء تجولك بين البيوت (الكرفانات) ستأتيك روائح مختلفة للأطعمة مثل الملوخية-الكبة-المقالي- المليحي ستختلف عليك روائح الأطعمة نظراً للمزيج السكاني السوري الذي يقطن المخيم بين الحمصي والشامي والحوراني والغوطاني. وبالتأكيد تختلف بالنسبة للغني والفقير في كل مكان تجد هذا التنوع الطبقي المجتمعي. 

كنت أعيش في حي مكتظ بالسكان وهو المكان الذي بنيت فيه خيمتي الأولى في عام 2012 وعايشت كل مراحل التطور في المخيم. أتحدث هنا عن الانتقال من الخيم إلى الكرفانات وحتى شكل الكرفانات بدأ يتغير مع مرور السنوات لذلك بدأ الناس يبدعون في تشكيل ألواح الكرفانات. لكي تبدو بشكل جميل ومتقارب مع شكل بيوتهم في وطنهم (سوريا) مثلاً ستشاهد البحرة التي تتوسط البيوت الشامية القديمة أو حديقة صغيرة يزرع فيها عدة أنواع وأشكال من الخضروات وشجرة زيتون صغيرة على أحد أطراف البيوت. والتي لم تكن تخلو من أي بيت في حوران.  

وستجد تلك الرسومات والزخارف على جدران الكرفانات التي تذكرنا بتاريخ بلادنا العظيم. وهناك أشخاص ابدعوا في ابتكار طرق لنقل وتخليد التراث السوري منهم فنانين تشكيلين صنعوا هياكل لكل صرح تاريخي في سوريا وهو معروض في مخيم الزعتري على شكل مجسمات مصغرة. ومنهم من إبدع في تشكيل الصخور في البيوت وأعطى لمحة عن البيوت الحجرية القديمة التي هي موجودة لهذا الوقت في حوران والسويداء وبعض المناطق الأخرى. اتذكر أن بيتنا كان مبنياً من الحجر الأسود والأبيض بشكل مميز قبل أن تدمره آله الحرب في سوريا; حاول الناس على مدار سنوات أن يحافظوا على التماسك. 

تصوير: محمد جراد

الإجتماعي والعادات والتقاليد المرتبطة بالمجتمع السوري المتنوع. ما زالت تقام تلك الأعراس التقليدية التي تفصل الرجال عن النساء ويقام حفل الرجال في ساحة كبيرة مزينة ببرج كبير مخصص لإقامة الأعراس، والذي يكون عادةً مضيئاً من جميع الإتجاهات. في هذه الأعراس كانت تُقام دبكات خاصة وأهازيج مرتبطة بالتراث السوري وخاصة الحوراني وتحتفل النساء في البيت مع العروس. بالتأكيد يصاحب الفرح وليمة غداء تقدم لجميع الحضور. وحتى في الأتراح تقام بيوت العزاء ويساند الناس بعضهم البعض. وكذلك الأمر بالنسبة للمناسبات والأعياد يمكنك رؤية تكاتف المجتمع السوري رغم الظروف المعيشية الصعبة.

تشارك النساء بشكل كبير في تعزيز هذه الروابط الإجتماعية وجعل الحياة أفضل وتقليص عبء حياة اللجوء وذلك من خلال مساندتهم لرجالهم وأبنائهم ومساعدتهم على تخطي التحديات الكبيرة في المخيم برأيي (أنهن من جعلن هذا المكان صالحاً للعيش). 

المرأة هناك يمكنها أم تستغل قطعة قماش لتصنع منها شيئاً يزين الكرفان. أو تصنع منها قطعة ملابس لطفلها يمكنها نقل كمية ماء كبيرة من مسافة بعيدة، يمكنها أن تأسس البيت مع زوجها، يمكنها إعداد الطعام حتى لو لم يكن لديها مكونات للطبخ في المنزل. يمكنها الإهتمام بأطفالها ومتابعة دروسهم على ضوء خافت بسبب انقطاع الكهرباء المتكرر وتربيتهم تربية صالحة رغم كل الظروف الصعبة التي تشجع على غير ذلك. 

تصوير: محمد جراد

ولا ننسى معاناتها في فصل الشتاء. ففصل الشتاء له وقع خاص على ناس في المخيمات بشكل عام. وغالباً ما تكثر فيه الحرائق وتقلص فيه ساعات الكهرباء ويقل فيه العمل بالنسبة للمزارعين والمزارعات. وتبدأ الكرفانات تمطر فوق رؤوس ساكنيها بسبب الهشاشة التي حدثت لها بعد كل هذه السنوات. والشوارع الفرعية تبدأ بتشكيل بحيرات طينية صغيرة وكأنها أصبحت منظراً لابد أن يرافق المخيم طيلة فصل الشتاء.

برز دور النساء في مخيم الزعتري في مجالات كثيرة ومازالت المرأة السورية في مخيم الزعتري تحافظ على قيمتها الإجتماعية وتحاول جاهدة إبراز دورها ليصل خارج أسوار المخيم رغم أنه لايوجد أسوار حديدية حقيقية لكن هناك أسوار وهمية تمنع النساء من التطلع لخارج الأسوار منها العادات والتقاليد التي تكون ظالمة بحق المرأة في بعض الأحيان وكذلك  التحديات الكبيرة التي تواجهها داخل المخيم والفرص المحدودة جدا. 

رغم ذلك تمتلك الإرادة والأمل لتحويل حياة اللجوء من محنة إلى منحة وفرصة للعيش من جديد. هذا جزء من وصف بسيط لمخيمي. الذي فيه سترى سوريا التي نحب، عندما ترى البيوت من الداخل. سوريا التي سنعود إليها قريباً حاملين العلم الأخضر ومعلنين النصر الذي طالما تمنيناه.

مقالات ذات الصلة

Leave a Comment

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. قبول Read More

Privacy & Cookies Policy