Image default
Home » عتاب حريب | فنانة تشكيلية
الحضارة الفنون

عتاب حريب | فنانة تشكيلية

بطاقة عتاب حريب الفنيّة:

صاحبة الظل البنفسجي…عتاب حريب

على شاشة التلفزيون السوري في تسعينيات القرن الماضي، كانت المرة الأولى أقرأ فيها اسم عتاب حريب. كان مكتوب بحروف زرقاء ثخينة أسفل الشاشة في الوسط، ووقفت عتاب فوق اسمها تحدّث المذيعة عن رسوماتها الزرقاء التي غطت جدران صالون منزلها. عائلتنا، مثل أية عائلة ديرية، تفرح كثيرا عندما يظهر وجه ديري على الشاشة وتتابع الحوار بشغف. طلبت والدتي مني ومن إخوتي التزام الصمت ورفع مستوى صوت التلفزيون وقالت: إنها عتاب حريب فنانة فراتية الدم لكن قلبها دمشقي. حينها عرفتُ بأن القلب حرّ وله أجنحة وأن الانتماء لـ اللا مكان ميزة. اليوم وبعد أكثر من عشرين عام، أحاور عتاب حريب كصحفي في المنفى يجري لقاء مع فنانة في المنفى.

بطاقة عتاب حريب الفنيّة:

(فنانة سورية من مواليد مدينة دير الزور السورية عام ١٩٥٤. تخرجت في قسم الحفر والطباعة اليدوية في كلية الفنون الجميلة في دمشق عام ١٩٧٨. ترسم بالألوان المائية. حصلت على مجموعة من الجوائز وشهادات التقدير منها (الميدالية الذهبية بمهرجان المحروس في مدينة تونس عام ١٩٩٣، وذهبية وزارة الثقافة الصينية عام ١٩٩٣). أقامت عشرات المعارض داخل سورية وخارجها. أعمالها مقتناة في العديد من المتاحف وفي مجموعات خاصة. وتسكن عتاب اليوم في شيكاغو).

  • سوف نبدأ من اسمك عتاب، ما قصة اسمك؟

عرفتُ من والدتي ووالدي أن اسمي جاء من ولعهما بأغنية فيروز (وقّف يا أسمر). وتحديدا جملة: (قصة عتاب وحب وحكاية غرام) وتكمل فيروز في ذات الأغنية وتقول (هالبنت يللي بيتها فوق الطريق). ومن وقتها أحببتُ الأغنية أكثر، وتكوّن عندي حلم امتلاك بيت صغير على تلة في نهاية الطريق. وبالفعل انتهى بي المطاف في منزل أطل على مدينة دمشق في منطقة مزة جبل. وأصبحتُ تلك البنت التي بيتها فوق الطريق. كان بيتي ملاذي ومأواي بعد أسفاري. واليوم، على الرغم من استقراري في منزل جميل في شيكاغو إلا أنني لازلت أحن إلى بيتي في دمشق كل يوم.  

  • امرأة  مفعمة بالألوان! من يتابع صورك على موقع فيس بوك يكوّن هذا  الانطباع عنك، هل هذ الانطباع صحيح؟

بالتأكيد، فأنا لازلت أشعر بأنني طالبة في كلية الفنون، لم استطع التخلص من ذلك الشغف. أحب الحياة وأقدرها وانتظر منها العطاء والمفاجآت. أرضخ لقوتها أحيانا لكني أتمرد عليها في أكثر الأوقات. أنا أُحاربها بالألوان ودائما أتغلّب عليها. تجاوزت  الستين عام ولازلت أؤمن بأن ما في داخلي إمكانيات وطاقات لم اكتشفها بعد ولا يوجد مستحيل في حياتي.

  • سمعتُ مرة عن قصة بيعك لسيارتك من أجل السفر إلى الصين عام ١٩٩٣.

نعم فعلتُها. كنت قد رُشّحت من قبل نقابة الفنانين للسفر إلى اليابان في ذات العام. ولخصوصية شرق آسيا في هذا الفن، اعتبرت أن هذا أجمل ما يمكن أن يحدث في مسيرتي كفنانة لا ترسم إلا بالألوان المائية لكني فوجئت باستبدال اسمي باسم فنانة غيري لم ترسم بالألوان المائية يوما. ولهذا السبب لغت اليابان الدعوة كلها. بعد تلك الحادثة قررت أن أزور شرق آسيا على حسابي ولم أكن أملك سوى سيارتي ذلك الوقت. بعتها واستثمرت بثمنها رحلة من العمر إلى الصين مع صديقتي هالة مهايني.

  • لماذا رحلة من العمر؟

لأنني أصبحت أرى نفسي عتاب قبل رحلة الصين وعتاب أخرى بعد العودة. كنت شغوفة جدا لمقابلة الرسومات المائية الأصلية هناك. ما رأيته قوّى علاقتي بالألوان المائية واكتشفت خصوصيتي عن الرسامين الآسيويين حينها، وتأكّدت بأنني أرسم وألوّن بطريقة لا تشبهني إلا أنا. في الصين كانوا ينسخون في الرسم ولم يوجد حرية في الإبداع. أدركت كم أنا حرة باستخدام الألوان وضرب الريشة. عدتُ إلى سوريا وأنا أكثر ثقة بأسلوبي في الرسم. وما بعد الصين، سافرتُ إلى تونس وبعدها جبتُ العالم كله تقريبا، مع لوحاتي وألواني المائية حتى صار السفر جزء حياتي.

  • Etab with her worksولماذا الرسم بالألوان المائية فقط؟

الألوان المائية سهل ممتنع. اللمسة المائية مثل الكلمة الوحدة لا تتكرر.  

الألوان المائية تشبهني  بالحرية والشفافية.

  • كنت مصدر إلهام لكثير من النساء الفراتيات، مع أنكِ لم تسكني هناك.

أنا أقدّر الفن والحرية ودائمة الحديث عنهما. تحدثت في أول لقاء تلفزيوني بأني طلقت مرتين انا طلبت الطلاق. واجهت حياتي بعد الطلاق كأم عازبة مع ثلاثة أبناء. تعمّدت الحديث عن حياتي الشخصية بصدق كما فني كي أكون مصدر إلهام لكل امرأة تعرفني. أشعر بالفخر عندما أعيد النظر إلى تجربتي كامرأة قبل أن أكون رسامة.

  • وماذا عن تجربتك بالتدريس في معهد المعلمين في دمشق؟

أحب تجربتي في التدريس كثيرا. منحتني لقب المربية إلى جانب رسامة. كانت فرصة لأمرّر رسائلي إلى الأجيال الشابة. اللعب بالألوان والبوح بها بحرية هما الطريق للإبداع. كنت أقول لطلابي بأن من يطالب بالحرية يخرج إلى الشارع بدون خوف من الرصاص فكيف تخافون من الألوان. 

  • عشتِ في سوريا في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وبعد الألفية، لأي حقبة تنتمين؟

أرى الستينات هي العصر الذهبي بدون شك. منزلنا المبني على الطراز الفرنسي في معرة النعمان. صالونات والدي الثقافية وثياب والدتي وأناقتها. كنتُ أُحيك لدميتي ثيابا تشبه ثياب وفساتين والدتي. حصل أبي على عمل في وزارة الثقافة في دمشق واضطرت عائلتي إلى نقل إقامتنا إلى دمشق. 

التحقت بكلية الفنون الجميلة عام ١٩٧٤. عبّرت عن أفكاري بحرية وارتديت ما يحلو لي من ملابس وأنا في الجامعة. وكوّنت صداقات متينة مع طالبات وطلاب استمرت حتى اليوم. لكن بدأت فضاء الحرية يضيق عاما بعد عام. مثلا تم منع الموديل العاري في الكلية في أوائل الثمانينيات وهذا خطأ فني فادح. 

  • تتلون حياتنا مثل لوحة بين الحين والآخر، كيف كانت حياتك تبعا لهذه الألوان:

الأزرق: بعد ما حصلت على قرار طلاقي الأول.عُدت حرة وفضائي أزرق كالسماء. وبالمناسبة هو أول لون ينفذ في علبة ألواني.

الأخضر: السفر. أحب السفر كثيرا وصار مطلبا روحيا عندي. ومن أولوياتي عند السفر هو الخلود إلى الطبيعة والاستمتاع بدفئها.

الأحمر:  يوم خُلقت. التمرد على الحياة ولد معي. الأحمر هو لون الثورة والتغيير.

الأسود: هو يوم مقتل ابني مازن. قتلت داعش ابني وأنا هنا في شيكاغو. تلقيت خبر هذه الفاجعة لوحدي، كُنت المفجوعة واليد التي طبطبت علي في نفس الوقت. اتشحت أيامي في السواد لفترة طويلة. عندي ابني يامن في تركية  أما ابنتي سراب وابني رمزي كلاهما في الإمارات العربية المتحدة، وهم عزائي في هذه الدنيا.

الأبيض: فترة وجودي مع أحفادي. أحب أحفادي وأحب براءة ونقاء حبهم لي.  الحياة أفضل برفقتهم.

 

  • كيف انتهى بك المطاف في شيكاغو؟

حصلت على الفيزا الأمريكية في اليوم الأخير للسفارة الأمريكية في دمشق عام ٢٠١٢. لم أنوي البقاء في أمريكا. نصحني ابني مازن بالبقاء كان يخاف على حياتي كثيرا. أردت أن أخفف من قلق أولادي علي، وأن أكون بعيدة عن ما كان يحصل في سوريا. أنا اليوم في شيكاغو وإن حصل وعدتُ إلى سوريا فسيكون السبب هو زيارة ورؤية قبر ابني مازن، فأنا لا أعرف أين قبره حتى الآن.

  • كيف يمضي يومك في المنفى؟

ارسم وانتظر خلف نافذتي مع فنجان قهوتي وسجائري والنَّاس يعبرون. أشاهد كيف يتغير الطقس في شيكاغو. استمع إلى الأغاني الفرنسية التي ألفتها أذني في فترة السبعينات. 

  • حياة جديدة وبداية جديد!

بدأت هنا من الصفر وكأنني تخرجت من الجامعة للتو. أقمت معارض في كاليفورنيا وواشنطن. أعمل وارسم مع الأطفال، دوماً.  أطلقت موقعا إلكترونيا لعرض وبيع أعمالي وأنا متحمسة لهذه الخطوة.  

 لم يكن الأمر سهل لكني وكما قلت لك من قبل لا أؤمن بالمستحيل.

ـ امزجي لنا لونا يبث فينا الأمل!

البنفسجي. هو خليط بين الأزرق والأحمر. فيه حزن وعمق، فيه ظل وضوء وفيه كل شيء. أنا استبدل اللون الاسود باللون البنفسجي في لوحاتي. حتى الظلال،  أرشقها باللون البنفسجي.

مقابلة خالد الاسماعيل

مقالات ذات الصلة

Leave a Comment

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. قبول Read More